"عامل نوفو": كيف أعادت شركة أدوية واحدة رسم خريطة اقتصاد دولة بأكملها؟
في سابقة نادرة في الاقتصاد الحديث، لم تعد ثروات الأمم تعتمد على الموارد الطبيعية أو التكتلات الصناعية، بل أثبتت الدنمارك أن المعرفة حين تتحول إلى منتج دوائي ناجح يمكنها أن تقود اقتصاد دولة كاملة.
بين عامي 2023 و2025، تحول الاقتصاد الدنماركي بشكل جذري ليصبح مرهوناً بأداء عملاق واحد هو شركة نوفو نورديسك. بفضل النجاح الساحق لعلاجات السكري والسمنة GLP-1، لم تكتف الشركة بملء خزائن الدولة، بل أصبحت الحصن الذي حمى الدنمارك من الركود الذي ضرب دول أوروبا.
اقتصاد ثنائي السرعة: النمو مقابل الركود
لفهم حجم تأثير الشركة يجب النظر إلى الأرقام التي تفصل بين اقتصاد نوفو وباقي الاقتصاد.
تشير البيانات الرسمية إلى أن الدنمارك سجلت نمواً بنسبة 1.9% في 2023. يبدو الرقم جيداً، لكن الواقع مختلف. يؤكد المحللون أنه لولا قطاع الأدوية وتحديداً نوفو نورديسك لكان النمو صفرياً أو سالباً.
قفزت مساهمة قطاع الأدوية في نمو الناتج المحلي من 10% قبل 2021 إلى ما بين 50% و90% من النمو في عامي 2022 و2023.
هذا ما دفع الاقتصاديين لإطلاق مصطلح عامل نوفو، وهو تأثير قوي أجبر وزارة المالية وهيئة الإحصاء الدنماركية على إصدار بيانات تستثني قطاع الأدوية لرؤية الأداء الحقيقي لقطاعات البناء والصناعة التي تعاني.
أكبر من الناتج المحلي وأغنى من الدولة
وصلت القيمة السوقية لنوفو نورديسك في 2024 إلى 640 مليار دولار، وهو رقم يتفوق على الناتج المحلي الإجمالي للدنمارك البالغ 430 مليار دولار.
هذا يعني أن الأسواق ترى في مستقبل الشركة قيمة تفوق كل ما تنتجه الدولة خلال عام كامل.
- الإيرادات: مبيعات الشركة شكلت 12.1% من إجمالي صادرات الدنمارك في 2023.
- الضرائب: دفعت الشركة 2.3 مليار دولار في عام واحد، ومثلت مع توابعها 18% من ضرائب الشركات الحكومية.
كيف يغير دواء واحد السياسة النقدية والقرارات الحكومية؟
يمتد نفوذ الشركة إلى السياسة الحكومية وقرارات البنك المركزي.
- العملة: المبيعات الخارجية الضخمة تضخ عملات أجنبية إلى الدنمارك، مما يرفع الطلب على الكرونة. ولمنع ارتفاع العملة يضطر البنك المركزي إلى إبقاء أسعار الفائدة منخفضة وأحياناً أقل من البنك المركزي الأوروبي.
- القرار السياسي: في مدينة كالوندبورغ التي تستثمر فيها الشركة 8.6 مليار دولار، غيرت الحكومة أولوياتها وبدأت مشاريع بنية تحتية مثل طريق كالوندبورغ السريع لخدمة مصانع الشركة.
- الرفاهية الاجتماعية: وفرت العوائد الضريبية غير المتوقعة للحكومة القدرة على زيادة الإنفاق وتقديم تخفيضات ضريبية دون الاقتراض.
الوجه الآخر: مخاطر الاعتماد المفرط
يحمل هذا النموذج مخاطر كبيرة. في أغسطس 2025، ومع تعديل الشركة لتوقعات مبيعاتها بسبب المنافسة في السوق الأمريكي، خفضت الحكومة توقع نمو الدنمارك من 3% إلى 1.4%.
تخفيض محاسبي لشركة واحدة تسبب في تبخر نصف توقعات النمو وتراجع توقعات الصادرات.
الخلاصة
تقدم نوفو نورديسك حالة استثنائية حول قوة اقتصاد المعرفة. شركة واحدة حولت البحث العلمي إلى رافعة اقتصادية أنقذت دولة من الركود، لكنها وضعت صناع القرار أمام تحدي تنويع الاقتصاد حتى لا يرتبط مستقبل الدولة بمؤشر سهم واحد مهما كان صعوده.
المصادر المختارة
للمزيد من المعلومات يمكن مراجعة:
- صندوق النقد الدولي – تقارير الدنمارك رابط مباشر لصفحة الدنمارك على موقع صندوق النقد الدولي
- نوفو نورديسك – علاقات المستثمرين رابط مباشر لقسم التقارير المالية في نوفو نورديسك
- هيئة الإحصاء الدنماركية رابط مباشر لموقع هيئة الإحصاء الدنماركية
الوسوم
نوفو نورديسك | اقتصاد الدنمارك | أدوية السمنة | حقن إنقاص الوزن | الناتج المحلي الإجمالي

تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار