توزيع الدخل والثروة في العالم: صورة قاتمة تزداد في 2026

--

توزيع الدخل والثروة في العالم: صورة قاتمة تزداد في 2026

يتصاعد التفاوت الاقتصادي العالمي بمعدلات مقلقة، إذ يستحوذ أغنى 10% من سكان العالم على ثلاثة أرباع الثروات الشخصية، بينما يقتسم نصف البشرية الأفقر نسبة ضئيلة لا تتجاوز 2% فقط. وفق تقرير عدم المساواة العالمي لعام 2026 (World Inequality Report 2026) الصادر عن مختبر عدم المساواة العالمي في باريس (wir2022.wid.world)، يكشف الإصدار السنوي السابع للتقرير عن تفاقم حاد في الفجوة بين الأغنياء والفقراء في معظم بلدان العالم.

الفرق الجوهري بين الدخل والثروة

قبل استعراض الأرقام، من المهم فهم الفرق بين الدخل والثروة. يقيس الدخل الأرباح السنوية قبل الضرائب بعد خصم مساهمات التأمين والمعاشات. أما الثروة فتشمل القيمة الإجمالية للأصول كالمدخرات والاستثمارات والعقارات بعد خصم الديون. لا يرتبط المستويان دائماً، فالأثرياء ليسوا بالضرورة الأعلى دخلاً، مما يبرز فجوة مستمرة بين ما يكسبه الناس وما يملكونه.

توزيع الثروة: امتلاك العالم بأقلية نخبوية

في عام 2025، امتلك أغنى 10% من سكان العالم 75% من الثروة العالمية، حسب بيانات تقرير عدم المساواة العالمي. في المقابل، حصلت الشريحة المتوسطة التي تمثل 40% من السكان على 23% من الثروة، بينما لم يمتلك النصف الأفقر (50% من السكان) إلا 2% فقط.

توزيع الثروة العالمية عام 2025 - المصدر: تقرير عدم المساواة العالمي 2026

منذ تسعينيات القرن الماضي، نمت ثروة المليارديرات وأصحاب الملايين بنسبة 8% تقريباً سنوياً، أي ما يقارب ضعف معدل نمو النصف الأفقر من سكان العالم. اليوم، يسيطر أغنى 0.001% من البشرية (أقل من 60 ألف مليونير) على ثروة تفوق 3 أضعاف ثروة نصف سكان العالم مجتمعين. حقق الفقراء مكاسب طفيفة، لكنها تتضاءل أمام التراكم السريع للثروة لدى الأغنياء.

توزيع الدخل: حصة ضئيلة للأغلبية

في عام 2025، استحوذ أغنى 10% من سكان العالم على 53% من الدخل العالمي، في حين حصلت الشريحة المتوسطة (40% من السكان) على 38% من إجمالي الدخل. أما أفضل 50% فحصلوا على 8% فقط من إجمالي الدخول، وفق تحليلات المعهد العالمي للدراسات الاقتصادية.

توزيع الدخل العالمي عام 2025 - المصدر: تقرير عدم المساواة العالمي 2026

العامل الجغرافي: مكان الميلاد يحدد مصيرك

لا يزال مكان الميلاد أحد أقوى العوامل التي تحدد مقدار الدخل والثروة. في عام 2025، بلغ متوسط ثروة سكان أمريكا الشمالية وأوقيانوسيا 338% من المتوسط العالمي، مما يجعلها أغنى منطقة على مستوى العالم. بلغت حصة الدخل في هذه المنطقة 290% من المتوسط العالمي، وهي أعلى نسبة عالمياً.

تلتهما أوروبا وشرق آسيا، إذ بقيتا أعلى من المتوسط العالمي. في المقابل، ظلت أجزاء واسعة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط أدنى بكثير من المتوسط العالمي، وفق بيانات البنك الدولي (data.worldbank.org).

دول التفاوت الحاد: الجنوب الأفريقي وأمريكا اللاتينية

تتصدر جنوب أفريقيا قائمة أكثر الدول تفاوتاً في الدخل، إذ يحصل أغنى 10% على 66% من إجمالي الدخل، بينما لا يحصل النصف الأفقر إلا على 6%. تُظهر دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك وتشيلي وكولومبيا اتجاهاً مشابهاً، حيث يحصل أغنى 10% على ما يقارب 60% من الأرباح.

في مجال الثروة، تتصدر جنوب أفريقيا القائمة مرة أخرى، إذ يسيطر أغنى 10% على 85% من الثروة الشخصية، تاركين 50% من السكان بحصص سلبية أي أن ديونهم تتجاوز أصولهم. تُظهر روسيا والمكسيك والبرازيل وكولومبيا نمطاً مشابهاً، حيث يستحوذ الأغنياء على 70% أو أكثر من الثروة، بينما لا يحصل الفقراء إلا على 2-3% فقط.

النموذج الأكثر توازناً: الدول الاسكندنافية

في السويد والنرويج يحصل النصف الأدنى من السكان على نحو 25% من إجمالي الدخل، في حين يحصل النصف الأعلى على أقل من 30%. أما في الدول الأوروبية مثل إيطاليا والدانمارك وهولندا فهي أكثر توازناً نسبياً، إذ تستحوذ شريحة الـ40% المتوسطة على نحو 45% من الثروة. في العديد من الاقتصادات المتقدمة كألمانيا واليابان وكندا يحصل النصف الأعلى على ما يقارب 33-47% من الدخل، بينما يحصل النصف الأدنى على 16-21%.

نسبة الدخل التي يحصل عليها أغنى 10% من السكان - بيانات من تقرير عدم المساواة العالمي 2026

الدول الغنية والتفاوت المستمر

حتى الدول الغنية كالولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا واليابان لا تزال تعاني من تفاوتات كبيرة. يحصل أغنى 10% في هذه الدول على أكثر من نصف إجمالي الدخل، بينما لا يحصل النصف الأفقر إلا على ما بين 1% و5% فقط. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يمتلك أغنى 10% حوالي 70% من الثروة الإجمالية، وفق دراسة معهد السياسة الاقتصادية (epi.org).

التفاوت في آسيا: صراع قارات

تظهر الاقتصادات الناشئة في آسيا -بما فيها الصين والهند وتايلاند- تفاوتات صارخة أيضاً. يسيطر أغنى 10% على ما يقارب 65% إلى 68% من الثروة، مما يبرز تركز الثروة بشكل مستمر في أيدي قلة. في المقابل، تتمتع دول مثل بنغلاديش والصين بتوزيع دخل أكثر توازناً نسبياً، بينما لا تزال الهند وتركيا تعانيان من هيمنة فئة 10% من السكان على أكثر من نصف إجمالي الدخل.

تحديات السياسات والآفاق المستقبلية

يأتي تقرير 2026 في وقت حرج، إذ تتراجع مستويات معيشة الكثيرين في جميع أنحاء العالم، بينما تتركز الثروة والسلطة بشكل متزايد في أيدي النخبة. يتطلب هذا وضع سياسات عامة فعالة لإعادة توزيع الثروة، بما في ذلك فرض ضرائب تصاعدية على الثروة والدخل العالي، وتعزيز النظم التعليمية والصحية، وإصلاحات في سوق العمل لضمان أجور عادلة.

خاتمة: عالم منقسم يحتاج لإعادة نظر

تكشف الأرقام عن عالم يعاني من انقسام حاد، حيث تتحكم أقلية ضئيلة في موارد هائلة، بينما يكافح المليارات للحفاظ على حالتهم الاقتصادية. لا تزال الفجوة بين ما يكسبه الناس وما يملكونه تشكل تحدياً مركزياً للسياسات الاقتصادية العالمية. تقدم الدول الاسكندنافية نموذجاً يحتذى به في التوازن النسبي، بينما تحتاج المناطق الأكثر تفاوتاً كجنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية لإصلاحات جذرية.


المصادر:


الوسوم

توزيع الثروة والدخل | عدم المساواة العالمية | تقرير عدم المساواة 2026 | التفاوت الاقتصادي | الدول الاسكندنافية

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

من الذهب إلى النفط.. 10 دول أفريقية تجهز القارة لقيادة الاقتصاد العالمي في 2025

تريليون دولار فائض تجاري.. الصين تعيد توجيه بوصلة الصادرات وتتحدى الضغوط الأميركية

الكونجرس الأمريكي يتحرك لكبح جماح ترامب.. هل تتحول فنزويلا إلى ساحة حرب جديدة؟