كيف هزمت الصين "الحروب التجارية"؟ قصة التريليون دولار التي غيرت الاقتصاد العالمي

--

كيف هزمت الصين "الحروب التجارية"؟ قصة التريليون دولار التي غيرت الاقتصاد العالمي

بقلم: المحرر الاقتصادي

​في تحول دراماتيكي يعيد رسم خارطة الاقتصاد العالمي، نجحت الصين في تحقيق فائض تجاري تاريخي تجاوز حاجز التريليون دولار خلال عام 2025. هذا الإنجاز لم يأتِ في ظروف طبيعية، بل تحقق وسط "حقول ألغام" من الرسوم الجمركية الأمريكية والقيود الحمائية الغربية، مما يطرح تساؤلاً جوهرياً: كيف استطاع التنين الصيني تحويل الحصار التجاري إلى توسع عالمي غير مسبوق؟

​يستند هذا التحليل إلى بيانات حديثة نشرتها صحيفة فايننشال تايمز وتقارير اقتصادية دولية، ليشرح بالأرقام والدلالات كيف حدث هذا التحول.

​المناورة الكبرى: استبدال أمريكا بالعالم

​تظهر الأرقام أن الصين نفذت استراتيجية "إعادة التموضع" ببراعة. فبينما انخفض الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة بأكثر من 100 مليار دولار بسبب الرسوم الجمركية والتوترات السياسية، لم تقف المصانع الصينية مكتوفة الأيدي.

​عوضت بكين هذا التراجع -وبأكثر مما خسرته- عبر التوجه نحو أسواق بديلة في "الجنوب العالمي". يوضح الجدول التالي كيف تغيرت وجهة البضائع الصينية في 2025:

المنطقة / الدولة التغير في الميزان التجاري الدلالة الاقتصادية
الولايات المتحدة انخفاض بأكثر من 100 مليار دولار تأثير الحرب التجارية المباشر
جنوب شرق آسيا (آسيان) فائض ضخم بلغ 245 مليار دولار أصبحت السوق البديلة الأولى للصين
أفريقيا زيادة الفائض بمقدار 27 مليار دولار توسع في بيع السفن والسلع الاستهلاكية
أوروبا وأمريكا اللاتينية زيادات ملحوظة (20 و9 مليارات دولار) اختراق أسواق جديدة رغم القيود

يشير المحللون، بمن فيهم توماس هيل وهاوشيانج كو من "فايننشال تايمز"، إلى أن هذه الأرقام تؤكد مرونة الصين وقدرتها على القفز فوق الحواجز الجمركية عبر تنويع الشركاء.

​ثورة السيارات: من عجز إلى هيمنة

​لعل التحول الأكثر إثارة في هذا المشهد هو قطاع السيارات. قبل ثلاث سنوات فقط، كانت الصين تستورد سيارات أكثر مما تصدر. اليوم، انقلبت الآية تماماً.

​سجل قطاع السيارات فائضاً تجارياً بقيمة 66 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2025، مدفوعاً بزيادة سنوية قدرها 22 مليار دولار. هذا التحول لم يقتصر على الأسواق الناشئة، بل تحولت تجارة السيارات مع الاتحاد الأوروبي نفسه من عجز إلى فائض لصالح الصين.

​يعود الفضل في ذلك إلى استثمار الصين المبكر والضخم في صناعة المركبات الكهربائية والبطاريات، حيث حققت وحدها فائضاً عالمياً في تجارة البطاريات بلغ 64 مليار دولار، مما جعل شركات مثل "بي واي دي" (BYD) تتصدر المشهد العالمي.

​سلاح "الانكماش" والعملة الرخيصة

​بعيداً عن جودة المنتجات، تمتلك الصين ميزة سعرية قاتلة. يواجه الاقتصاد الصيني داخلياً حالة من "انكماش الأسعار" (Deflation)، مما يعني انخفاض تكاليف الإنتاج والأسعار المحلية.

​يشرح آدم وولف، الخبير الاقتصادي، أن هذا الانكماش مع استمرار ضعف عملة "الرنمينبي" (اليوان) مقارنة بالدولار، منح المصدرين الصينيين قدرة تنافسية هائلة. فالبضائع الصينية تصل إلى الأسواق العالمية بأسعار لا يستطيع المنافسون مجاراتها، وهو ما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه وضع "لا يُحتمل" للاقتصادات الغربية.

​مفارقة الاقتصاد الصيني: قوة في الخارج وهشاشة في الداخل

​رغم بريق أرقام التصدير، يخفي هذا الفائض وجهاً آخر للاقتصاد الصيني يتمثل في ضعف الطلب الداخلي.

  1. المستهلك لا يشتري: يعاني المواطن الصيني من ضعف الثقة وتراجع الرغبة في الإنفاق، مما يدفع الشركات لتصريف فائض إنتاجها الهائل إلى الخارج.

  2. أزمة العقارات: أدى ركود قطاع البناء إلى تقليل استيراد الصين للحديد والمواد الخام، مما ساهم في خفض فاتورة الواردات وزيادة الفائض التجاري.

  3. صنع في الصين (للاستخدام المحلي): بدأت الصين في تصنيع الآلات والروبوتات التي كانت تستوردها سابقاً، في سياسة تعرف بـ "إحلال الواردات"، مما قلل حاجتها للشراء من الخارج وزاد الفجوة مع العالم.

​طرود صغيرة بمليارات الدولارات

​لم يغفل التقرير دور التجارة الإلكترونية العابرة للحدود. منصات مثل "شي إن" (Shein) و"تيمو" (Temu) التي تعتمد على شحن الطرود الصغيرة منخفضة القيمة مباشرة للمستهلكين، أضافت وحدها 22 مليار دولار للفائض التجاري. هذا النموذج يثير غضب المشرعين في واشنطن وبروكسل لاستغلاله ثغرات الإعفاء الجمركي، لكنه يواصل النمو بسرعة صاروخية.

​نظرة مستقبلية

​حذرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، من أن هذه الاختلالات التجارية قد تؤدي إلى المزيد من الإجراءات الانتقامية. ومع ذلك، يتوقع الخبراء أن يستمر الفائض التجاري الصيني في النمو ليصل إلى 1.5 تريليون دولار، طالما استمر الضعف في السوق العقاري والاستهلاك المحلي الصيني، مما يضع العالم أمام واقع اقتصادي جديد تتسيد فيه البضائع الصينية المشهد من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية.

المصادر:

  1. صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times): للمزيد حول البيانات والتحليلات الاقتصادية الأصلية. رابط الموقع

  2. وكالة رويترز (Reuters): لتغطية أخبار التجارة العالمية والرسوم الجمركية. [تم إزالة الرابط المشبوه]

  3. صندوق النقد الدولي (IMF): للاطلاع على تصريحات كريستالينا جورجيفا والتقارير الاقتصادية. رابط الموقع

الوسوم

الفائض التجاري الصيني | اقتصاد الصين | الحرب التجارية | السيارات الكهربائية الصينية | الاستيراد من الصين

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

من الذهب إلى النفط.. 10 دول أفريقية تجهز القارة لقيادة الاقتصاد العالمي في 2025

تريليون دولار فائض تجاري.. الصين تعيد توجيه بوصلة الصادرات وتتحدى الضغوط الأميركية

الكونجرس الأمريكي يتحرك لكبح جماح ترامب.. هل تتحول فنزويلا إلى ساحة حرب جديدة؟