التصعيد في لبنان: هل يصبح الجنوب غزة جديدة؟
مدة القراءة:
يشهد لبنان في الفترة الأخيرة تصعيداً إسرائيلياً غير مسبوق، يتجلى في قصف واسع للبلدات الجنوبية، مخلّفاً خسائر بشرية ومادية فادحة. مع ارتفاع حصيلة الضحايا وزيادة التوترات، تتزايد التساؤلات حول السيناريوهات المستقبلية، وما إذا كانت المواجهة في لبنان ستتحول إلى نموذج جديد مشابه للصراع الطويل في غزة.
أرقام مرعبة وتصاعد التوترات
أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم الإثنين، أن الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان أسفرت حتى الآن عن مقتل 274 شخصًا وإصابة 1024 آخرين، وفقًا لأحدث التقارير. وتحدثت الوكالة الوطنية للإعلام عن أضرار واسعة في القرى والبلدات الجنوبية جراء الغارات الجوية التي لم تفرق بين المدنيين والمسلحين. من بين القتلى والجرحى، هناك نساء، أطفال، وحتى مسعفين يعملون على إنقاذ الضحايا.
في الجانب الآخر، أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن جيشها يستهدف مواقع لـ"حزب الله" في مناطق مأهولة بالسكان، مبررة ذلك بأن الحزب يستخدم تلك المناطق لتخزين أسلحته. هذه الهجمات جاءت في إطار موجة جديدة من التصعيد الذي لا يبدو أنه سيهدأ قريبًا.
التصعيد أم الاحتواء؟
في خضم هذا التصعيد، يرى المحلل السياسي اللبناني سركيس أبو زيد أن لبنان عالق حاليًا بين خيارين: الحرب الشاملة أو محاولة احتواء الوضع. يعتبر أبو زيد أن إسرائيل تعتمد تكتيكًا مشابهًا لما تمارسه في غزة من تدمير واغتيالات لتحقيق أهدافها السياسية. ووفقًا له، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستخدم سياسة "الحرب الدائمة" لتحقيق رؤيته لإسرائيل الكبرى، وهو ما يفسر إصراره على التصعيد في لبنان بعد فشله في تحقيق انتصارات حاسمة في غزة.
يرى أبو زيد أن نتنياهو يسعى إلى إعادة رسم الجغرافيا في المنطقة، من خلال ضم غزة والضفة الغربية إلى إسرائيل ورفض أي كيان فلسطيني. هذه السياسة، كما يوضح، تستهدف الآن "حزب الله" في لبنان بعدما نقل نتنياهو المعركة من غزة إلى لبنان أملاً في تحقيق مكاسب قد تعزز موقفه السياسي داخليًا.
الهروب إلى الأمام
من جانبه، أكد الناشط المدني اللبناني أسامة وهبي أن التصعيد الحالي ليس بالأمر الجديد، ولكنه جاء في إطار هروب نتنياهو إلى الأمام بعد فشله في تحقيق أي أهداف واضحة في غزة. وهبي يعتقد أن حزب الله، بخلاف حركة حماس، يتمتع بعمق جغرافي وخطوط إمداد مفتوحة، وهو ما يجعل المواجهة معه أكثر صعوبة. وأشار إلى أن أي محاولة إسرائيلية للدخول بريًا إلى لبنان ستكون كارثية من ناحية الخسائر في الجنود والعتاد.
ويرى وهبي أن إسرائيل ستجد صعوبة في تحويل لبنان إلى نسخة جديدة من غزة، حيث أن التركيبة الجغرافية والاجتماعية المختلفة تعيق تحقيق مثل هذا الهدف. كما يشير إلى أن إسرائيل لا يمكنها تحمل نتائج مثل هذه المواجهة، سواء من ناحية الخسائر العسكرية أو تزايد أعداد النازحين في الداخل الإسرائيلي.
الظروف الإقليمية والدولية
التصعيد الإسرائيلي في لبنان يأتي في وقت حساس، حيث تستغل الحكومة الإسرائيلية حالة الارتباك السياسي في الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. يتفق المحللون على أن نتنياهو يسعى للاستفادة من انشغال الإدارة الأمريكية بالصراعات الداخلية والخارجية ليحقق بعض المكاسب في الساحة اللبنانية.
وفي ظل هذه الظروف، يسعى المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، إلى إيجاد حلول دبلوماسية لمنع التصعيد من التحول إلى حرب إقليمية شاملة. ومع ذلك، فإن الموقف معقد، حيث أن أي حل قد يحتاج إلى تنازلات سياسية من الأطراف المعنية، وهو ما يبدو صعبًا في ظل استمرار التصعيد.
ختاماً
ما يحدث في لبنان اليوم يمثل فصلًا جديدًا في الصراع المستمر بين إسرائيل و"حزب الله"، ولكن الأسئلة الكبرى لا تزال قائمة: هل ستنجح الجهود الدبلوماسية في احتواء الوضع؟ أم أننا أمام تصعيد قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق؟ في النهاية، قد يكون مستقبل المنطقة مرهونًا بقدرة الأطراف الدولية على التوصل إلى تسوية تمنع انزلاق لبنان إلى سيناريو مشابه لما يحدث في غزة.
إسرائيل | لبنان | حزب الله | التصعيد | نتنياهو
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار