فول سوداني يومي.. مفتاح ذاكرة أقوى لدى كبار السن

--

دراسة هولندية تكشف كيفية تحسين تدفق الدم إلى الدماغ وتعزيز الذاكرة في 16 أسبوعاً فقط

فول سوداني يومي.. مفتاح ذاكرة أقوى لدى كبار السن

أثبتت دراسة علمية حديثة أن وجبة خفيفة بسيطة ومتوفرة في كل منزل يمكن أن تكون سلاحاً فعالاً في مواجهة تراجع القدرات الذهنية المرتبطة بالتقدم في السن. فقد وجد باحثون من جامعة ماسترخت بهولندا أن تناول 60 غراماً من الفول السوداني غير المملح والمحمص بقشرته يومياً لمدة 16 أسبوعاً يؤدي إلى تحسن ملحوظ في الذاكرة اللفظية وتدفق الدم إلى الدماغ لدى البالغين الأصحاء بين 60 و75 عاماً.

وأظهرت نتائج الدراسة التي نشرت في عدد نوفمبر 2024 من مجلة "كلينيكال نوتريشن" العلمية، أن المشاركين حققوا تحسناً بنسبة 5.8 بالمئة في اختبارات الذاكرة اللفظية، فيما ارتفع تدفق الدم العام في الدماغ بنسبة 3.6 بالمئة، مع زيادة أكبر في المناطق المرتبطة بالذاكرة واللغة.

تصميم الدراسة: تجربة عملية دقيقة

طبق الباحثون تصميماً تجريبياً معروفاً باسم "الدراسة التبادلية العشوائية" لضمان دقة النتائج. شملت الدراسة 31 شخصاً بالغاً يتمتع بصحة جيدة، بتتراوح أعمارهم بين 60 و75 عاماً، واستبعد الباحثون المدخنين ومن يعانون من أمراض القلب أو السكري أو الحساسية من الفول السوداني.

قسم الباحثون التجربة إلى مرحلتين رئيسيتين، كل منهما استمرت 16 أسبوعاً، مع فترة استراحة مدتها 8 أسابيع بينهما. في المرحلة الأولى، تناول المشاركون 60 غراماً من الفول السوداني غير المملح والمحمص بقشرته يومياً، مع السماح لهم بإدراجه في وجباتهم بأسلوبهم المفضل. أما في المرحلة الثانية، امتنعوا تماماً عن تناول الفول السوداني وجميع المنتجات القائمة على المكسرات.

وراقب الباحثون تدفق الدم في الدماغ باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي المتطورة (pseudo-continuous arterial spin labeling MRI)، وهي طريقة غير جراحية ولا تتطلب حقناً بالصبغات الملونة. كما قيموا الأداء المعرفي عبر حزمة اختبارات كامبريدج الآلية، وتابعوا ضغط الدم والتغذية عبر استبيانات مفصلة.

النتائج المدهشة: تحسن شامل في صحة الدماغ

كشفت صور الدماغ أن تدفق الدم ارتفع في المادة الرمادية بنسبة 4.5 بالمئة، مع تحسن أكبر في المناطق الرئيسية. ففي الفصوص الأمامية ( frontal lobes ) المسؤولة عن صنع القرارات والتحكم في الانفعالات، زاد التدفق بنسبة 6.6 بالمئة، بينما ارتفع بنسبة 4.9 بالمئة في الفصوص الصدغية ( temporal lobes ) المرتبطة بالذاكرة واللغة.

علق الدكتور بيتر جوريس، الأستاذ المشارك في معهد أبحاث التغذية والأيض بجامعة ماسترخت، على هذه النتائج قائلاً: "أثارنا أن التحسنات شملت الدماغ كله، وليس مناطق محددة فقط". وأضاف: "تدفق الدم الكافي إلى الدماغ مهم لتزويد الخلايا بالأكسجين والمواد المغذية من أجل تنشيط الدماغ".

في جانب الذاكرة، تذكر المشاركون عدداً أكبر من الكلمات من قائمة شاهدوها قبل 20 دقيقة، مقارنة بفترة الامتناع. وفيما لم تظهر اختبارات السرعة الحركية والوظائف التنفيذية تحسناً كبيراً، إلا أن التقدم في الذاكرة اللفظية يعتبر نتيجة مهمة لأن هذا النوع من الذاكرة غالباً ما يتراجع مع التقدم في السن.

الأسرار الكيميائية: ما الذي يجعل الفول السوداني فعالاً؟

يرجع الباحثون التأثير الإيجابي إلى عدة عناصر غذائية أساسية يحتوي عليها الفول السوداني، خصوصاً عند تناوله مع القشرة:

الأرجينين L-arginine: هو حمض أميني يعمل كمادة أولية لتصنيع أكسيد النيتريك، الجزيء المسؤول عن استرخاء الأوعية الدموية وتنظيم تدفق الدم. يحتوي الفول السوداني على تركيزات عالية من هذا الحمض مقارنة بأطعمة أخرى.

الدهون غير المشبعة: تساعد على تحسين صحة الأوعية الدموية وتقليل الالتهاب في الجسم.

البوليفينولات ومضادات الأكسدة: تتركز بكثرة في قشرة الفول السوداني، وتشمل مركب الريسفيراترول المعروف بخصائصه المضادة للالتهابات وحماية الخلايا.

فول سوداني يومي.. مفتاح ذاكرة أقوى لدى كبار السن

البروتين النباتي والألياف: يساهمان في الشعور بالشبع ودعم الصحة العامة.

المثير للدهشة أن المشاركين لم يكتسبوا وزناً زائداً رغم إضافة 340 سعرة حرارية يومياً إلى نظامهم الغذائي، مما يشير إلى أن الفول السوداني قد يعزز الشبع ويقلل من تناول سعرات حرارية أخرى.

فوائد إضافية: تحسن صحة القلب والأوعية

لم تقتصر النتائج على الدماغ فقط، بل أظهرت الدراسة انخفاضاً في ضغط الدم الانقباضي (الرقم العلوي) بمعدل 5 ملم زئبق، وانخفاضاً في ضغط النبض بمقدار 4 ملم زئبق. وهذا تحسن كبير لأن ارتفاع ضغط الدم يضر الأوعية الدموية الصغيرة في الدماغ والقلب، مما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والخرف.

تؤكد هذه النتيجة فائدة مزدوجة للفول السوداني، حيث تربط بين صحة القلب والدماغ، وهما جهازان يتأثران بشدة بالتغذية السليمة.

تحفظات هامة: ليست دعوة للإفراط

رغم النتائج المشجعة، حذر الباحثون من عدة قيود في الدراسة. 

  • أولاً، حجم العينة صغير (31 شخصاً) وجميع المشاركين من البالغين الأصحاء، مما يصعب تعميم النتائج على مجموعات أكبر أو على من يعانون من حالات طبية.
  • ثانياً، لم يختبر الباحثون سوى نوع محدد من الفول السوداني (الفول السوداني المحمص بقشرته وبدون ملح) وبجرعة محددة (60 غراماً). لذا لا يعرفون ما إذا كانت أشكال أخرى مثل زبدة الفول السوداني أو كميات أقل ستحقق فوائد مماثلة.
  • ثالثاً، نظراً لأن المشاركين كانوا يعرفون متى يتناولون الفول السوداني، فإن هناك احتمالاً لوجود تأثير وهمي (placebo effect) في نتائج الذاكرة. كما أن مدة التجربة (16 أسبوعاً) قصيرة نسبياً، ولا يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت الفوائد تستمر على المدى الطويل أو تقلل فعلياً من خطر الخرف.

وأخيراً، على الرغم من صحة الفول السوداني لمعظم الناس، إلا أنه قد يمثل خطراً على المصابين بحساسية من المكسرات، ويجب عليهم تجنبه تماماً.

رؤية مستقبلية: هل زبدة الفول السوداني تعمل أيضاً؟

تخطط فرقة البحث لدراسات مستقبلية لاختبار ما إذا كانت منتجات الفول السوداني المختلفة، مثل زبدة الفول السوداني، توفر فوائد مماثلة. كما يهدفون إلى اختبار جرعات أصغر ودراسة التأثير على مجموعات عمرية مختلفة وعلى مرضى السكري وأمراض القلب.

في الوقت الحالي، يؤكد الباحثون أن هذه الدراسة تقدم أدلة مبكرة على أن تناول الفول السوداني يومياً يمكن أن يكون إستراتيجية غذائية بسيطة واقتصادية لدعم صحة الدماغ مع التقدم في السن، خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات الخرف حول العالم.

المصادر والمراجع


ملاحظة: هذا المقال يعتمد على دراسة علمية منشورة، لكنه لا يغني عن استشارة الطبيب قبل إجراء أي تغييرات على النظام الغذائي، خصوصاً للمصابين بالحساسية أو الأمراض المزمنة.

الوسوم

الفول السوداني والذاكرة | تدفق الدم في الدماغ | دراسة ماسترخت | L-arginine | كبار السن

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

"عامل نوفو": كيف أعادت شركة أدوية واحدة رسم خريطة اقتصاد دولة بأكملها؟

ترامب يغلق المجال الجوي الفنزويلي وسط استعدادات عسكرية أمريكية متصاعدة

الناتج المحلي الإجمالي.. المقياس الذهبي للقوة الاقتصادية العالمية