اقتصاد سوريا بعد سقوط الأسد: بين تحديات إعادة الإعمار وآفاق التعافي
مدة القراءة:
شكّل الثامن من ديسمبر 2024 منعطفاً تاريخياً في مسار سوريا، إيذاناً ببدء حقبة جديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد. هذا التحول السياسي زلزل أركان الدولة، وامتدت ارتداداته لتشمل الاقتصاد السوري المُنهك بعد 13 عامًا من الصراع والعقوبات.
انهيار الليرة وفوضى الأسعار
كان أول تجليات هذا السقوط هو الانهيار المُتسارع لليرة السورية، حيث تهاوت قيمتها بنسبة 42% في دمشق و64% في حلب، مسجلةً أدنى مستوياتها على الإطلاق. هذا التدهور الحاد عكس حالة عدم الاستقرار والتضخم الجامح الذي يُخيّم على البلاد.
توقعات مُتباينة
توقّع وزير المالية السوري "رياض عبد الرؤوف" أن يكون هذا الانهيار مؤقتًا، مرجّحًا تحسن معدلات النمو الاقتصادي خلال عام 2025. وشدد على ضرورة وضع سياسة مالية تُراعي مصلحة الشعب السوري، مع مراجعة شاملة للاتفاقيات السابقة.
واقعٌ مُزري
تُشير تقارير البنك الدولي إلى أن الليرة السورية فقدت 141% من قيمتها عام 2023، مع ارتفاع معدلات التضخم إلى 93%. هذه الأرقام تُترجم واقعا معيشيًا صعبًا على السوريين، خاصةً مع خفض الدعم الحكومي.
نهب المصرف المركزي
أظهرت مقاطع فيديو مُتداولة اقتحام مصرف سوريا المركزي وسرقة أمواله، مما زاد من حدة الأزمة. وعلى الرغم من تأكيد محافظ المصرف "محمد عصام هزيمة" استعادة جزء من الأموال وتأمين المقر من قبل قوات المعارضة، إلا أن الحادثة تُلقي بظلالها على مستقبل الاستقرار المالي في البلاد.
اقتصادٌ مُنهك
قبل الثورة، كان الاقتصاد السوري يشهد نمواً ملحوظاً. لكن الحرب دمّرت مفاصله، فانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 54% بين عامي 2010 و2021، مع توقعات بانكماشه 1.5% إضافية هذا العام.
عوامل الضعف
يُعاني الاستهلاك الخاص، المُحرك الرئيسي للنمو، من الضعف الشديد بسبب ارتفاع الأسعار. كما يُعيق الوضع الأمني المُتقلب وعدم اليقين الاقتصادي والسياسي أي استثمارات خاصة.
الفقر ينهش المجتمع
أثّر الفقر على 69% من السوريين عام 2022، وارتفعت نسبة الفقر المُدقع من شبه معدومة قبل النزاع إلى أكثر من 25%، مع توقعات بازديادها سوءًا بعد زلزال 2023.
تجارة خارجية مُضطربة
أثّر الصراع سلباً على التجارة الخارجية، فانهار الإنتاج الصناعي والزراعي، مما زاد من اعتماد سوريا على الواردات، خاصةً الغذائية.
أزماتٌ خارجية تُفاقم الوضع
ساهمت الأزمات الخارجية، مثل الأزمة المالية في لبنان وجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، في تدهور الوضع المعيشي للسوريين.
تراجع إنتاج النفط
يُعاني قطاع الطاقة من اضطراباتٍ حادة منذ 2011، فانخفض إنتاج النفط والغاز بشكلٍ كبير. وتُشير البيانات إلى انخفاض إنتاج النفط بنسبة 3.5% سنوياً العام الماضي، بعد أن كان 400 ألف برميل يوميًا قبل النزاع، ليُصبح 91 ألف برميل يوميًا عام 2023.
اقتصاد الكبتاجون
يُشير البنك الدولي إلى أن اقتصاد سوريا يعتمد بشكلٍ كبير على تجارة الكبتاجون، حيث تُعد البلاد مُنتجًا ومُصدرًا رئيسيًا لهذه المادة. تُقدّر قيمة هذه التجارة بـ 5.6 مليار دولار سنويًا، ما يُعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي لسوريا.
مستقبلٌ غامض
يُواجه الاقتصاد السوري بعد سقوط الأسد تحدياتٍ هائلة. إعادة بناء البنية التحتية المُدمرة ستكون مهمة ضخمة، لكن إعادة بناء رأس المال البشري والاجتماعي ستكون التحدي الأكبر.
التعافي يَمُرّ عبر:
- استعادة الاستقرار الأمني: ضمان بيئة آمنة للاستثمار والنشاط الاقتصادي.
- إصلاح السياسات المالية: وضع خططٍ اقتصادية تُراعي مصلحة الشعب وتُعزز النمو.
- جذب الاستثمارات: توفير حوافز وتسهيلات لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
- إعادة إعمار البنية التحتية: إعادة بناء ما دمّرته الحرب من بنى تحتية أساسية.
- تنمية رأس المال البشري: الاستثمار في التعليم والصحة لتأهيل جيلٍ قادر على قيادة نهضة البلاد.
- مكافحة الفساد: القضاء على الفساد المُستشري لضمان الشفافية والعدالة.
- دعم القطاعات الإنتاجية: إعادة إحياء القطاعات الزراعية والصناعية لتعزيز الاكتفاء الذاتي.
- تنويع الاقتصاد: عدم الاعتماد على مصدرٍ واحد للدخل، والتوجه نحو اقتصادٍ مُتنوع.
ختاما
إنّ إعادة إعمار سوريا وتعافي اقتصادها رحلةٌ طويلةٌ وشاقةٌ تتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية. يبقى الأمل معقودًا على إرادة السوريين لبناء مستقبلٍ أفضل، وتحقيق الاستقرار والازدهار لوطنٍ عانى ويلات الحرب والدمار.
اقتصاد سوريا | الليرة السورية | سقوط الأسد | إعادة إعمار سوريا | التضخم في سوريا
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار