تريليون دولار فائض تجاري.. الصين تعيد توجيه بوصلة الصادرات وتتحدى الضغوط الأميركية

--

تريليون دولار فائض تجاري.. الصين تعيد توجيه بوصلة الصادرات وتتحدى الضغوط الأميركية

بكين – في ظل تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتداعيات الرسوم الجمركية الباهظة، نجحت الصين في تحقيق فائض تجاري غير مسبوق يتجاوز حاجز تريليون دولار خلال أحد عشر شهراً من العام الجاري، مدفوعة باستراتيجية ذكية لإعادة توجيه صادراتها نحو أسواق بديلة وارتفاع الطلب على المنتجات التقنية.

صادرات قوية تتجاوز التوقعات

أظهرت بيانات جمارك الصين الصادرة يوم الاثنين نمو صادرات البلاد بنسبة 5.9٪ على أساس سنوي في نوفمبر الماضي، متجاوزةً بذلك التراجع الذي سجلته في أكتوبر بنسبة 1.1٪، ومحطمةً التوقعات التي أجرتها وكالة "رويترز" والتي كانت تتوقع نمواً محتملاً بنسبة 3.8٪ فقط.

في المقابل، سجلت الواردات نمواً متواضعاً بنسبة 1.9٪ خلال الشهر نفسه، مقارنةً بارتفاع بنسبة 1.0٪ في أكتوبر، لكنها أقل من التوقعات التي كانت تتوقع زيادة بنسبة 3.0٪. وهذا الأداء الضعيف للواردات يعكس استمرار تباطؤ الطلب المحلي داخل ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

جدول 1: أداء التجارة الخارجية الصينية (نوفمبر 2025)

المؤشر النسبة السنوية التوقعات
نمو الصادرات +5.9٪ +3.8٪
نمو الواردات +1.9٪ +3.0٪
الفائض التجاري 111.68 مليار دولار 100.2 مليار دولار

إعادة توجيه التجارة تثمر نتائج إيجابية

منذ فوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر 2024، كثفت الصين جهودها الممنهجة لتنويع أسواق صادراتها والتقليل من الاعتماد على السوق الأميركية. وتعد هذه الاستراتيجية محورية في مواجهة الرسوم الجمركية التي تصل إلى 47.5٪ على البضائع الصينية، وهو معدل يتجاوز بكثير العتبة الـ40٪ التي يعتبرها الاقتصاديون خطأ أحمراً لاستمرار ربحية المصدرين.

يقول زيتشون هوانح، الخبير الاقتصادي الصيني في "كابيتال إيكونوميكس": «يبدو أن دور إعادة توجيه التجارة في تعويض أثر الرسوم الجمركية الأميركية لا يزال يتزايد. نتوقع أن تحافظ صادرات الصين على مرونتها، مع استمرار البلاد في اكتساب حصة سوقية عالمية العام المقبل».

أداء السوق الأميركية مقابل الأسواق البديلة

كشفت بيانات نوفمبر عن انخفاض حاد في الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة 29٪ على أساس سنوي، رغم اتفاق ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ في أكتوبر الماضي على تسريع شحنات المعادن النادرة وتخفيض بعض الرسوم الجمركية.

في المقابل، سجلت الأسواق البديلة أداءً مشرفاً:

  • الاتحاد الأوروبي: نمو الصادرات بنسبة 14.8٪ سنوياً
  • أستراليا: ارتفاع الشحنات بنسبة 35.8٪
  • دول جنوب شرق آسيا: زيادة الواردات بنسبة 8.2٪

وعلق دان وانج، مدير قسم الصين في مجموعة "أوراسيا": «ثمة نقص في الرقائق الإلكترونية منخفضة الجودة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، واستوردت الشركات الصينية التي تتجه نحو العالمية جميع أنواع الآلات والمدخلات الأخرى من الصين».

الفائض التجاري يتجاوز تريليون دولار

نتيجة لهذا الأداء القوي، ارتفع الفائض التجاري للصين إلى 111.68 مليار دولار في نوفمبر، وهو أعلى مستوى له منذ يونيو الماضي، متجاوزاً التوقعات البالغة 100.2 مليار دولار. وبذلك يصل إجمالي الفائض التجاري خلال أحد عشر شهراً من العام الجاري إلى أكثر من تريليون دولار لأول مرة في التاريخ.

ويرجع الاقتصاديون هذا الإنجاز إلى عاملين رئيسيين:

  1. تنويع قاعدة الصادرات وإعادة التوجيه الناجح نحو أسواق بديلة
  2. استفادة الصين من الحضور العالمي لشركاتها لإنشاء مراكز إنتاج جديدة في دول ذات رسوم جمركية منخفضة

ضعف الطلب المحلي يظل التحدي الأكبر

رغم النجاحات التجارية الخارجية، ما زالت الصين تواجه تحدياً داخلياً كبيرًا يتمثل في ضعف الطلب المحلي، وهو ما تجلى بوضوح في انخفاض واردات النحاس الخام التي تعد مادة أساسية في البناء والتصنيع.

وأعلن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم يوم الاثنين عن خطط لاتخاذ خطوات جادة لتوسيع الطلب المحلي، في تحول استراتيجي يهدف إلى فصل الاقتصاد الصيني البالغة قيمته 19 تريليون دولار عن الاعتماد المفرط على الصادرات.

ينتظر أن يجتمع كبار المسؤولين في المؤتمر الاقتصادي المركزي السنوي خلال الأيام المقبلة لتحديد أهداف العام المقبل والأولويات السياسية الأساسية.

يقول لين سونج، كبير الاقتصاديين في بنك "آي إن جي": «تتجه الصين نحى ترسيخ الطلب المحلي بصفته محركاً رئيسياً... وتحقيق النمو سيستغرق وقتاً، ولكن من الضروري أن تنتقل الصين إلى المرحلة التالية من تنميتها الاقتصادية».

تأثيرات على قطاع التصنيع والعملة

أظهر مسح رسمي يتتبع نشاط المصانع أن القطاع انكمش للشهر الثامن على التوالي، مما يؤكد استمرار حالة عدم اليقين لدى الشركات المصنعة. ورغم أن أصحاب المصانع أفادوا بتحسن طفيف في طلبات التصدير الجديدة في نوفمبر، فإنها لا تزال في حالة انكماش.

من ناحية أخرى، ارتفع اليوان الصيني أمام الدولار يوم الاثنين، مدعوماً ببيانات الصادرات القوية التي جاءت أفضل من المتوقع.

تفاؤل حذر للعام المقبل

يتوقع الاقتصاديون أن تخسر الصادرات الصينية نحو نقطتين مئويتين من النمو بسبب تراجع الوصول إلى السوق الأميركية، وهو ما يعادل حوالي 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي. لكن استراتيجية إعادة التوجيه التجاري تبدو فعالة، مع توقعات باستمرار الصين في اكتساب حصص سوقية جديدة عالمياً.

كما شهدت صادرات المعادن النادرة نمواً بنسبة 26.5٪ على أساس شهري في نوفمبر، وهو أول شهر كامل بعد اتفاق شي و ترامب على تسريع شحن هذه المعادن الاستراتيجية الأساسية التي تعد الصين أكبر منتج لها عالمياً.

مصادر:

  1. بيانات الجمارك الصينية الرسمية
  2. كابيتال إيكونوميكس – تحليلات اقتصادية
  3. مجموعة أوراسيا – تقارير geopolitical risk

الوسوم

الصين | فائض تجاري | صادرات | أسواق بديلة | طلب محلي

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية