ترامب يحذر أوروبا: مسارات خطرة تهدد الهوية الغربية

--

تحليل للأزمة المتصاعدة بين واشنطن وبروكسل

ترامب يحذر أوروبا: مسارات خطرة تهدد الهوية الغربية

دخلت العلاقات عبر الأطلسية في أزمة غير مسبوقة بعد هجوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديد على أوروبا، محذراً إياها من أنها "تمضي في مسارات خطرة لا تُحمد عقباها". يأتي هذا التحذير في سياق إعلان إدارته استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 التي تنتقد بشدة سياسات الاتحاد الأوروبي، خاصة في ملف الهجرة والتنظيم الرقمي.

أزمة جديدة في العلاقات عبر الأطلسي

في تصريحات صحفية الإثنين الماضي، لم يتراجع ترامب عن نبرته العدائية تجاه أوروبا، بل شدد عليها: "انظروا، على أوروبا أن تكون في غاية الحذر. يقومون بالكثير من الأمور ونريد لأوروبا أن تبقى أوروبا". وأضاف: "هي تسير في اتجاهات خطِرة، وهذا أمر بالغ السوء، سيء جدا لشعوبها. نحن لا نريد لأوروبا أن تتغير إلى هذا الحد".

هذه التصريحات تتبع إعلان استراتيجية الأمن القومي الجديدة يوم الجمعة الماضية، التي حملت شعار "أميركا أولا". وقد وصفت الاستراتيجية أوروبا بأنها تواجه "خطر المحو الحضاري"، محذرة من أن "القارة قد تصبح غير قابلة للتعرف عليها في غضون عشرين عاما أو أقل" إذا استمرت الاتجاهات الحالية.

استراتيجية 2025: تحول جذري في السياسة الأمريكية

وفق تحليل مؤسسة بروكينجز، تعتبر استراتيجية ترامب الجديدة "شرحاً أكثر من كونها إعلاناً"، حيث تتضمن رؤية واضحة لأمريكا تستطيع "ان تحصل على المزيد بفعل أقل". وتنتقد الاستراتيجية بشدة الحلفاء الأوروبيين، مشيرة إلى أن "حلف الناتو يتمدد بلا انقطاع"، ويجب وقف هذا التمدد.

أهم ما يميز هذه الاستراتيجية:

  1. تحالف حضاري بديل
    تقترح الاستراتيجية استبدال التضامن الاستراتيجي التقليدي بين الولايات المتحدة وأوروبا بـ"تحالف حضاري" يقوم على ثلاثة شروط أساسية، كما يوضح تحليل زكي لعيدي في مشروع سنديكيت:
  • تفكيك الإطارات التنظيمية الأوروبية التي تُعتبر تقييداً للحريات وتضر بالمصالح الأمريكية
  • إعادة هيكلة سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي
  • توقف أوروبا عن اعتبار الحماية العسكرية الأمريكية أمراً مفروغاً منه
  1. دعم للأحزاب اليمينية المتشددة
    تشير الاستراتيجية صراحة إلى "الأحزاب الأوروبية الوطنية" - في إشارة إلى اليمين المتشدد مثل "التجمع الوطني" الفرنسي و"بديل لألمانيا" - بوصفها "حلفاء أمريكا الحقيقيين في أوروبا". ويصل الأمر إلى دعم "المقاومة للمسار الحالي لأوروبا داخل الدول الأوروبية"، وهو ما يعادل سياسة تغيير نظامي دستوري.

  2. تحذيرات ديموغرافية مثيرة للجدل
    تضمنت الاستراتيجية ممراً مثيراً للجدل يحذر من أن "بعض الدول الأعضاء في الناتو ستصبح خلال عقود على الأكثر أغلبية غير أوروبية"، وتساءلت عما إذا كانت السكان المستقبليون "سينظرون إلى مكانتهم في العالم، أو تحالفهم مع الولايات المتحدة، بنفس طريقة من وقعوا على ميثاق الناتو".

الحرب التجارية: رسوم جمركية تاريخية

تفرض إدارة ترامب ضغوطاً اقتصادية هائلة على أوروبا من خلال نظام معقد من الرسوم الجمركية المتصاعدة. وفق مؤسسة الضرائب:

  • أبريل 2025: بدأت برسوم 10% على معظم المنتجات الأوروبية، ارتفعت إلى 20% بعد 4 أيام فقط
  • يوليو 2025: وصلت التهديدات إلى 50% قبل التوصل لاتفاق
  • أغسطس 2025: تم التوصل لاتفاق يفرض 15% على معظم السلع الأوروبية، بما في ذلك السيارات

وبحسب CNBC، تضمن الاتفاق أيضاً التزام الاتحاد الأوروبي بشراء 750 مليار دولار من الطاقة الأمريكية واستثمارات إضافية بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة.

قضية "إكس" والتنظيم الرقمي

أثارت الغرامة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على منصة "إكس" (تويتر السابق) بقيمة 140 مليون دولار غضب ترامب، الذي وصفها بـ"الكريهة". وقال: "لا أعتبر الأمر صائباً".

لكن الحقيقة - كما يوضح مشروع سنديكيت- هي أن الغرامة لم تتعلق بالرقابة السياسية، بل بانتهاكات الشفافية وحماية المستهلك: سياسة التحقق المضللة من المستخدمين، والفشل في تقديم بيانات إعلانية مطلوبة، ومحاولات حظر وصول الباحثين.

روسيا تستغل الفرقة

سارعت روسيا للترحيب بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة، معتبرة أنها "تتماشى إلى حد بعيد" مع رؤية موسكو. وتأتي هذه التطورات بينما يسعى ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا بموجب خطة تمنح روسيا مزيداً من الأراضي، مما يثير قلقاً عميقاً في الدوائر الأوروبية.

ردود الفعل والتداعيات المستقبلية

حذر المحللون في بروكينجز من أن "المعاملة القاسية للحلفاء الأوروبيين لن تمر دون ملاحظة في آسيا"، مما يقوض المصداقية الأمريكية. ودعت كاتالين تالمدج من جامعة جورجتاون إلى اعتبار هذه اللغة "لغة الطغيان".

توصي فاليري فيرتشافر من بروكينجز بأن "على أوروبا الاستعداد لما هو قادم"، وأن تستثمر في أمنها ومرونتها الخاصة. وتقول: "الحقيقة التي يجب أن تكون واضحة هي أن هذا ليس طريقة التحدث مع الحلفاء. عصر سابق كان سيعرفها على أنها لغة الطغيان".

خلاصة: نهاية العهد التقليدي

تشير كل المؤشرات إلى أن إدارة ترامب الثانية تنتهج سياسة "أميركا أولا" بأقصى درجاتها، حتى وإن كانت على حساب أقدم تحالفاتها. فبدلاً من التعامل مع أوروبا كشريك استراتيجي، تتعامل معها كخصم اقتصادي وتحدي حضاري يجب إخضاعه.

وبينما تستعد أوروبا للرد على هذه الضغوط، يبقى السؤال المركزي: هل ستنجح القارة العجوز في توحيد صفوفها وتحقيق الاستقلال الاستراتيجي الذي دعا إليه ديجول منذ عقود؟ أم ستتفتت تحت وطأة الضغوط الخارجية والانقسامات الداخلية؟

المصادر:

الوسوم

ترامب أوروبا | استراتيجية الأمن القومي 2025 | غرامة إكس 140 مليون | رسوم جمركية أوروبا | المحو الحضاري أوروبا

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية