أخبار مصرالصين تطلق حزمة مالية ضخمة لتحفيز الاستهلاك الداخلي
في خطوة غير مسبوقة لدعم اقتصادها المتباطئ، أطلقت السلطات الصينية حزمة إجراءات مالية شاملة تستهدف تحفيز الاستهلاك المحلي باعتباره "المحرك الأساسي" للنمو الاقتصادي. يأتي هذا التحول الاستراتيجي في وقت تواجه فيه الصين تحديات متزامنة تشمل تراجع القطاع العقاري وضعف الثقة الاستهلاكية وضبابية الآفاق الاقتصادية العالمية.
السياق الاقتصادي: لماذا الاستهلاك الآن؟
تمر الاقتصاد الصيني بمرحلة دقيقة تتطلب إعادة ترتيب الأولويات. بعد عقود من الاعتماد على الاستثمار في البنية التحتية والصادرات، تزايدت أهمية تعزيز الطلب المحلي كمصدر مستدام للنمو. وفق تحليلات "براتل" (Bruegel) لشهر أكتوبر 2024، ظل عجز الميزانية العامة الصينية مستقراً عند نحو 4.85% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن معظم الإنفاق كان يتجه نحو البنية التحتية بدلاً من دعم القوة الشرائية للأسر.
السياسات التحفيزية السابقة تركزت على برامج استبدال السلع الاستهلاكية المدعومة، حيث خصصت الحكومة 150 مليار رنمينبي (21 مليار دولار) في 2024، ثم رفعت المبلغ إلى 300 مليار رنمينبي (42 مليار دولار) في 2025. غير أن هذه المبالحة تبقى متواضعة مقارنة بحجم الإنفاق على البنية التحتية، ولم تصل إلى جذر المشكلة: تباطؤ نمو الدخل.
الإجراءات الجديدة: تنسيق غير مسبوق بين التجارة والمالية
في 14 ديسمبر 2025، أصدرت ثلاث جهات رئيسية - وزارة التجارة، وبنك الشعب الصيني (PBOC)، والهيئة الوطنية للتنظيم المالي - منشوراً مشتركاً يحدد 11 إجراءً أساسياً لتحقيق التكامل بين القطاعين التجاري والمالي. يمثل هذا التعاون تطوراً كبيراً في أسلوب صنع السياسات الاقتصادية في الصين.
📱 الإلكترونيات
🏠 الأجهزة المنزلية
✈️ السياحة والضيافة
🎓 التعليم والتدريب
إنشاء آليات تنسيق محلية
تدعو الوثيقة الحكومات المحلية إلى تأسيس "آليات تنسيق سليمة" بين سلطات التجارة والتنظيم المالي. يشمل ذلك:
- استخدام ضمانات التمويل لتخفيف المخاطر على القروض الاستهلاكية
- تقديم دعم مباشر لأسعار الفوائد لجعل التمويل أكثر جاذبية
- توجيه الصناديق الائتمانية نحو القطاعات الاستهلاكية الحيوية
الرنمينبي الرقمي: أداة تنفيذ مبتكرة
من أبرز النقاط في المنشور هو التأكيد الخاص على استخدام الرنمينبي الرقمي (e-CNY) لتحسين كفاءة سياسات التحفيز. تشجع السلطات الحكومات المحلية على استخدام "الحزم الحمراء الرقمية" - وهي قسائم نقدية إلكترونية - لتشجيع الإنفاق المباشر.
تخطط الصين لاستخدام العملة الرقمية في:
- برامج التحفيز الاستهلاكي المستهدفة
- تحسين سرعة وشفافية توزيع الدعم
- تقليل التكاليف الإدارية والاحتيال
تحفيز استهلاك السلع: ترقية المنتجات المعمرة
السلع عالية القيمة والإلكترونيات
تحث المؤسسات المالية على تطوير خدمات تمويلية متخصصة لشراء السلع المعمرة مثل:- السيارات: تسهيل القروض السيارات مع تخفيض أو إعفاء من غرامات السداد المبكر
- الأجهزة المنزلية الذكية: تبسيط الإجراءات للمنتجات الخضراء والذكية
- الإلكترونيات: تمويل مرن للمنتجات الرقمية
برامج استبدال السلع
تدعم السياسة بقوة برامج "الاستبدال بالقديم"، حيث يقترح المنشور تحديد أسعار الفائدة وشروط القروض بشكل معقول بناءً على الجدارة الائتمانية للمقترضين، مع تسهيل إعادة تمويل القروض القديمة.قطاع الخدمات: الابتكار المالي كمفتاح النمو
يرى صانعو السياسة أن مستقبل الاستهلاك الصيني يكمن في تطوير قطاع الخدمات. يدعو المنشور إلى ابتكار منتجات مالية مخصصة لمجالات:
- رعاية المسنين
مع تسارع التقدم السكاني، تولي السياسة أهمية خاصة لخدمات الرعاية الصحية والاجتماعية للمسنين، بما في ذلك:
- تمويل مرافق الرعاية طويلة الأمد
- قروض ميسرة لخدمات الرعاية المنزلية
- دعم شراء التأمين الصحي المتخصص
-
السياحة والضيافة
تشجع المؤسسات المالية على تقديم قروض للشركات السياحية الصغيرة والمتوسطة، وتطوير منتجات تمويل للسفر الفردي والجمعي. -
المطاعم والضيافة
دعم سلاسل المطاعم المحلية والإقليمية من خلال قروض العمل الرأسمالية وخطوط الائتمان التشغيلية. -
التعليم والتدريب
تمويل برامج التعليم المهني والتدريب المستمر، مع سداد متدرج مرتبط بالدخل المستقبلي.
النماذج الجديدة للاستهلاك: الاقتصاد الرقمي والأخضر
تسلط الإجراءات الضوء على أشكال الاستهلاك الناشئة:
- الاستهلاك الأخضر: دعم المنتجات الصديقة للبيئة
- الاستهلاك الرقمي: تمويل التجارة الإلكترونية والتجربة الافتراضية
- اقتصاد الظهور (Debut Economy): دعم العلامات التجارية الجديدة
- الذكاء الاصطناعي Plus: تمويل المنتجات والخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي
• السلع المعمرة: السيارات والإلكترونيات والأجهزة المنزلية
• الخدمات: رعاية المسنين والسياحة والضيافة والتعليم
• النماذج الجديدة: الاستهلاك الأخضر والرقمي واقتصاد الظهور
تسهيلات ائتمانية جديدة: 500 مليار رنمينبي
أعلن بنك الشعب الصيني عن إنشاء تسهيلات إقراض مركزية بقيمة 500 مليار رنمينبي (نحو 70 مليار دولار) مخصصة لقطاعي الخدمات والرعاية المسنين. تؤهل هذه التسهيلات 21 مؤسسة مالية وطنية و5 بنوك تجارية حيوية للحصول على تمويل مركزي يعادل 100% من أصل القرض الممنوح للقطاعات المستهدفة.
التحديات والتوقعات
يرى المحللون أن هذه الإجراءات تمثل تطوراً إيجابياً، لكنها تواجه تحديات:
- مخاطر الائتمان: زيادة القروض الاستهلاكية قد ترفع معدلات التعثر
- الفجوة الإقليمية: قد لا تصل الفوائد للمناطق الريفية بنفس كفاءة المدن الكبرى
- التوقيت: قد يستغرق الأمر 6-12 شهراً حتى تظهر النتائج على أرض الواقع
تتوقع "كايشين غلوبال" أن يتصدر تعزيز الاستهلاك جدول أعمال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لعام 2026، مما يعكس أن هذا التحول ليس مجرد تدبير مؤقت بل استراتيجية طويلة الأمد.
خاتمة
تشكل الإجراءات المالية الجديدة نقطة تحول في السياسة الاقتصادية الصينية، حيث تنتقل من النموذذ الاستثماري التقليدي إلى نموذج يعتمد على الاستهلاك الداخلي كمحرك أساسي. النجاح سيعتمد على مدى فعالية التنسيق بين الجهات المركزية والمحلية، وقدرة المؤسسات المالية على إدارة المخاطر، واستجابة المستهلكين والشركات لهذه المحفزات.
مع استمرار ضغوط الاقتصاد العالمي والتحديات الداخلية، قد تكون هذه الخطوة المرتقبة هي المفتاح لتحقيق "نمو ذي جودة" يستهدفه الرئيس شي جين بينغ وقيادة الحزب الشيوعي الصيني.
المصادر:
-
Caixin Global. "China Looks to Financial Support to Lift Consumption Amid Property Drag". 15 ديسمبر 2025. https://www.caixinglobal.com/2025-12-15/china-looks-to-financial-support-to-lift-consumption-amid-property-drag-102393571.html
-
South China Morning Post. "China issues 11-point policy package to boost consumer spending amid slowing retail sales". 16 ديسمبر 2025. https://www.scmp.com/economy/china-economy/article/3336515/china-issues-11-point-policy-package-boost-consumer-spending-amid-slowing-retail-sales
-
Bruegel. "The Chinese economy: stimulus without rebalancing". 17 أكتوبر 2024. https://www.bruegel.org/analysis/chinese-economy-stimulus-without-rebalancing
الوسوم
الاقتصاد الصيني | تحفيز الاستهلاك | الرنمينبي الرقمي | السياسة المالية الصينية | دعم الاستهلاك الصيني
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار