البنك المركزي الأوروبي يخفض الفائدة للمرة السادسة.. هل تنقذ الخطوة اقتصاد المنطقة؟
مدة القراءة:
خلفية القرار: تحفيز النمو وسط رياح معاكسة
في خطوة استباقية لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي، أعلن البنك المركزي الأوروبي خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 0.25%، ليصل إلى 2.5%، وذلك للمرة السادسة خلال تسعة أشهر. جاء القرار وسط مؤشرات ضعف في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، الذي نما بنسبة 0.1% فقط في الربع الأخير من 2024، وتوقعات بانكماش النمو إلى 0.9% في 2025.
وقالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي: "التضخم يسير على المسار الصحيح، لكننا بحاجة إلى دعم الاقتصاد في ظل تحديات خارجية وداخلية".
التفاصيل الفنية: ماذا يعني الخفض للشركات والأسر؟
- سعر الفائدة على الودائع: انخفض إلى 2.5% (من 2.75%).
- سعر إعادة التمويل: تراجع إلى 2.65% (من 2.9%).
- الهدف: تخفيض تكلفة الاقتراض لدفع الاستثمارات وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.
وفقاً للبنك، فإن السياسة النقدية أصبحت "أقل تقييداً"، ما ساهم في ارتفاع طلبات القروض بنسبة ملحوظة منذ بدء سلسلة التخفيضات في منتصف 2024.
التحديات الخارجية: حرب تجارية وإنفاق عسكري
يواجه القرار تحديات جسيمة قد تضعف تأثيره، أبرزها:
-
تهديدات ترامب التجارية:
- لا تزال الولايات المتحدة تلوح بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية، ما يهدد صادرات المنطقة البالغة قيمتها 4.3 تريليون يورو سنوياً.
- حذرت لاجارد من أن "التصعيد التجاري سيضعف النمو العالمي ويعيق تعافي أوروبا".
-
سباق التسلح الأوروبي:
- مع تصاعد التوترات الجيوسياسية (مثل الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط)، تخطط دول الاتحاد لزيادة الإنفاق العسكري.
- يخشى أن تحول هذه الخطط الأموالَ من الاستثمارات الإنتاجية إلى التسلح، مما يرفع العجز الحكومي ويعقد سياسة البنك المركزي.
التضخم: مؤشرات مطمئنة لكن مخاطر قائمة
رغم تراجع التضخم الرئيسي في فبراير إلى 2.4% (من 2.6% في يناير)، فإن التضخم الأساسي (باستثناء الطاقة والغذاء) لا يزال أعلى من المستهدف (2%). وأشار البنك إلى أن "معظم المؤشرات تظهر استقراراً نحو الهدف على المدى المتوسط".
آراء الخبراء: خطوة صحيحة.. لكنها غير كافية
-
حسين القمزي (خبير اقتصادي):
"الخفض يخفف الأعباء على المدى القصير، لكن زيادة الإنفاق العسكري قد تفقد السياسة النقدية فاعليتها. أوروبا بين مطرقة النمو وسندان الأمن". -
الدكتور نضال الشعار (شركة ACY):
"القرار ذكي واستباقي، لكننا كنا نتمنى خفضاً أكبر لتحقيق صدمة إيجابية أقوى. التحدي الآن هو تعويض تأثير الرسوم الأميركية المحتملة".
الأسواق تتفاعل: اليورو يصعد.. والسندات تهتز
- سعر اليورو مقابل الدولار: ارتفع بنسبة 0.34% بعد الإعلان.
- عوائد السندات الألمانية (10 سنوات): قفزت 9 نقاط أساس، متأثرة بموجة بيع السندات عالمياً.
التوقعات المستقبلية: مزيد من التخفيضات قريباً؟
تتجه الأنظار الآن إلى اجتماعي البنك المركزي الأوروبي المزمع عقدهما في أبريل ويونيو، حيث توقع محللون في "مورجان ستانلي" خفضين إضافيين لأسعار الفائدة بمقدار 0.25% لكل منهما، ما قد يدفع سعر الفائدة القياسي إلى 2% بحلول منتصف 2025. ويعتمد ذلك على ثلاثة عوامل رئيسية:
- استمرار ضعف النمو: تُشير توقعات البنك المركزي الأوروبي المُعدَّلة إلى تباطؤ النمو إلى 0.9% في 2025، مع تراجع الصادرات والاستثمارات بسبب عدم اليقين التجاري.
- التضخم المستقر: رغم تراجعه إلى 2.4% في فبراير، فإن تحقيق الهدف البالغ 2% بشكل دائم قد يحتاج إلى مزيد من التحفيز النقدي.
- الضغوط الخارجية: في حال فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على الواردات الأوروبية، قد يُضطر البنك إلى خفض الفائدة بشكل أسرع لتعويض صدمة الصادرات.
غير أن بعض الخبراء، مثل جاك ألين -رينولدز من "كابيتال إيكونوميكس"، يرون أن البنك قد يُبطئ وتيرة الخفض إذا ارتفع التضخم بشكل غير متوقع، خاصة مع زيادة الإنفاق الحكومي على الدفاع، الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام وخدمات النقل.
الإنفوجرافيك: 5 نقاط تلخص تأثير الخفض حتى الآن
تأثير خفض الفائدة حتى الآن 📊
📉
تكاليف القروض
تراجع 1.5% للشركات الصغيرة
💶
صعود اليورو
ارتفاع 4% أمام الدولار
🛒
الاستهلاك الأسري
زيادة 0.7% في الإنفاق
📊
التضخم الأساسي
استقرار عند 2.1%
💼
البطالة
ثبات النسبة عند 6.5%
تأثير خفض الفائدة حتى الآن 📊
خلاصة: أوروبا في مفترق طرق
تقف القارة العجوز أمام تحد وجودي: فبينما تحاول سياسة الفائدة المنخفضة إنعاش اقتصادها المتعثر، تواجه عاصفة من التهديدات الخارجية والداخلية التي قد تفقدها زخم التعافي. من ناحية، تهدد الحروب التجارية المحتملة مع واشنطن بإغراق الصادرات الأوروبية في مياه راكدة. ومن ناحية أخرى، قد تحول موجة الإنفاق العسكري الطارئ المواردَ من الاستثمارات الإنتاجية إلى التسلح، مما يزيد العجز المالي ويعقد سياسة البنك المركزي.
السؤال الأكبر الآن: هل تكفي الأدوات النقدية وحدها لإنقاذ الاقتصاد، أم أن أوروبا بحاجة إلى خطة شاملة تجمع بين تحفيز الاستثمار الخاص، وإصلاح النظام الضريبي، وتعزيز التعاون السياسي لمواجهة العواصف الجيوسياسية؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها ستحدد مصير القارة كقوة اقتصادية كبرى في العقد المقبل.
للاستماع للبودكاست اضغط هــنــا

البنك المركزي الأوروبي | خفض الفائدة | النمو الاقتصادي | التضخم | الحرب التجارية
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار