معادن أوكرانيا الاستراتيجية: صراع القوى العظمى على ثروات تحت الأرض

مدة القراءة:

الخلفية: اقتراح ترامب يثير الجدل

أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قضية المساعدات الأمريكية لأوكرانيا إلى الواجهة باقتراح مثير للجدل: تمويل كييف مقابل الحصول على حصة من ثرواتها المعدنية الاستراتيجية. يأتي ذلك في محاولة لواشنطن لتعزيز أمنها الاقتصادي وتقليل اعتمادها على الصين في الحصول على معادن نادرة تعدّ عصب الصناعات التكنولوجية والعسكرية. رغم تأكيد البيت الأبيض قرب توقيع الاتفاق، ترفض أوكرانيا المسودة الحالية لغياب ضمانات أمنية، مما يسلط الضوء على تعقيدات الملف.

المعادن النادرة: ذهب القرن الحادي والعشرين

تشمل "المعادن النادرة" 17 عنصراً كيميائياً، تلعب دوراً محورياً في صناعات المستقبل:

التطبيقات العسكرية: أنظمة توجيه الصواريخ، والرادارات المتطورة.
الطاقة الخضراء: توربينات الرياح، وبطاريات السيارات الكهربائية (مثل الليثيوم والنيوديميوم).
التكنولوجيا: الهواتف الذكية، أشباه الموصلات، وشاشات LED.

تسيطر الصين حالياً على 80% من إنتاجها العالمي، مما دفع الدول الغربية للبحث عن مصادر بديلة، وهو ما يفسر اهتمام واشنطن بأوكرانيا، التي تصنف بين أكبر 10 دول غنية بهذه الموارد.

أوكرانيا: كنز معدني مغمور

تمتلك أوكرانيا تنوعاً جيولوجياً فريداً يجعلها من أهم المناطق الغنية بالمعادن، وفقاً لبيانات حكومية وأبحاث دولية:

التيتانيوم: 7% من الاحتياطي العالمي، يُستخدم في صناعة الطائرات والصواريخ.
الليثيوم: 500 ألف طن (أكبر احتياطي في أوروبا)، أساسي لبطاريات السيارات الكهربائية.
الغرافيت: 20% من الموارد العالمية، حيوي للبطاريات والمفاعلات النووية.
العناصر الأرضية النادرة: كاللانثانوم والسيريوم في الإلكترونيات، والإيتريوم في الليزر والطاقة النووية.
النيون عالي النقاء: كان يغطي 70% من احتياجات صناعة الرقائق الإلكترونية العالمية قبل الحرب.

كما تحتل أوكرانيا مراكز متقدمة في إنتاج الغاليوم (الخامس عالمياً)، والمنغنيز (أساسي للصلب الأخضر)، إلى جانب احتياطيات كبيرة من اليورانيوم والنحاس والفضة.

الحرب الروسية: تحديات السيطرة والاستغلال

حولت الحرب الدائرة منذ 2022 المناطق الغنية بالمعادن إلى ساحات صراع:

المناطق المحتلة: نحو 40% من الموارد المعدنية تقع تحت السيطرة الروسية، خاصة في دونيتسك وزابوريجيا (الليثيوم)، ومناجم الفحم في الشرق.
البنية التحتية المدمرة: تعرضت المنشآت الصناعية لأضرار جسيمة، مما يعيق استغلال الموارد حتى في المناطق الآمنة.
التحديات الأمنية: المناجم في كيروفوهراد ودنيبروبتروفسك مهددة بتقدم القوات الروسية.

لماذا يريد ترامب هذه الصفقة؟

التنافس مع الصين: تسعى واشنطن لضمان إمدادات مستقرة من المعادن بعيداً عن الهيمنة الصينية، خاصة مع تصاعد التوترات حول تايوان.
تعزيز الصناعة الأمريكية: المشاريع الخضراء مثل سيارات تسلا وتوربينات جنرال إلكتريك تعتمد على هذه الموارد.
الضغط على كييف: ربط المساعدات العسكرية بالمنافع الاقتصادية قد يُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية.

في مقابلة مع "فوكس نيوز"، قال ترامب: "أوكرانيا تمتلك ثروات هائلة... يجب أن نحصل على عائد من أموالنا". لكن الخبراء يشككون في إمكانية تنفيذ الصفقة دون ضمانات أمنية واضحة لأوكرانيا.

المخاطر والتحديات

غياب الأمن: استخراج المعادن يتطلب استقراراً قد لا تحققه الحرب المستمرة.
الاستثمارات الضخمة: تقدر تكلفة تطوير مناجم الليثيوم والجرافيت بمليارات الدولارات.
المخاوف الأوكرانية: تخشى كييف أن تتحول إلى "مستعمرة موارد" دون ضمانات لدعمها عسكرياً ضد روسيا.

السيناريوهات المستقبلية

الاتفاق الموقع: إذا نجحت المفاوضات، قد تتحول أوكرانيا لشريك استراتيجي للغرب في سلسلة التوريد العالمية.
التصعيد الروسي: قد تزيد موسكو من ضغوطها للسيطرة على المناطق الغنية بالمعادن، خاصة مع تعثر المساعدات الغربية.
دور الصين: قد تدخل بكين كمنافس للاستثمار في المناجم الأوكرانية في حال رفضت كييف الصفقة الأمريكية.

الخلاصة: معادن تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية

لا تعتبر معادن أوكرانيا مجرد ثروة اقتصادية، بل سلاحاً استراتيجياً في صراع النفوذ بين القوى العظمى. بينما تحاول واشنطن تعزيز أمنها القومي، تواجه كييف معادلة صعبة: الموازنة بين الحصول على الدعم العسكري والحفاظ على سيادتها على مواردها. في خضم هذا، تظل الحرب الروسية العامل الأكثر تأثيراً في تحديد مصير كنز أوكرانيا المدفون.

للاستماع للبودكاست اضغط هــنــا

أوكرانيا|المعادن النادرة|الليثيوم|الصراع الجيوسياسي|الولايات المتحدة

علىّْ الدين الإخباري