الصين تعزز ريادتها في الذكاء الاصطناعي: "علي بابا" و"ديب سيك" في سباق عالمي
مدة القراءة:
في خطوة تعكس تصاعد المنافسة الصينية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة "علي بابا" الصينية العملاقة، الأربعاء، عن إطلاقها إصداراً جديداً من نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، Qwen 2.5-Max. الشركة أكدت أن هذا النموذج يتفوق على نماذج رائدة مثل GPT-4o من "أوبن إيه آي"، وDeepSeek-V3 الصيني، وLlama-3.1-405B من "ميتا". الإعلان جاء عبر وحدة الحوسبة السحابية التابعة للشركة على منصة "وي تشات" الصينية، في وقت تشهد فيه الصناعة تحولات جذرية بقيادة شركات صينية ناشئة مثل "ديب سيك"، التي أثارت ضجة بإطلاقها نموذجاً منخفض التكلفة يتحدى العمالقة التقنيين.
Qwen 2.5-Max: نقلة نوعية في الأداء والتكلفة
وفقًا لبيان "علي بابا"، يتميز النموذج الجديد بقدرات متقدمة في معالجة اللغة الطبيعية، وفهم السياقات المعقدة، واستجابات دقيقة تعتمد على كميات ضخمة من البيانات التي تم تدريبه عليها. وأشارت الشركة إلى أن النموذج تفوق في اختبارات معيارية على GPT-4o، النموذج الأحدث من "أوبن إيه آي"، وهو إنجاز يسلط الضوء على التقدم السريع للتقنيات الصينية.
لكن المنافس الأبرز في المشهد الصيني يبقى "ديب سيك"، الشركة الناشئة التي أطلقت مطلع الأسبوع نموذجاً جديداً للذكاء الاصطناعي بتكلفة مذهلة لا تتجاوز 5.6 مليون دولار، مقارنة بنحو 100–200 مليون دولار تنفقها الشركات الأمريكية. ويعتمد نموذج "ديب سيك" على 2000 رقاقة فقط، مقابل 16 ألف رقاقة تستخدمها النماذج الأمريكية لتحقيق نفس النتائج.
يعلق تشن لونج، محلل تكنولوجيا في شنغهاي: "الصين تثبت أن الابتكار ليس حكراً على من يملك الموارد الضخمة، بل على من يستطيع تحسين الاستخدام. هذه نقلة قد تغير خريطة الصناعة العالمية."
معادلة التكلفة و الكفاءة: كيف قلب الصينيون الطاولة؟
تعد تكلفة تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي أحد العوائق الرئيسية أمام الشركات الناشئة، لكن "ديب سيك" قدمت نموذجاً اقتصاديا قد يعيد تشكيل قواعد اللعبة. فبينما تعتمد الشركات الأمريكية على بنى تحتية ضخمة وكميات هائلة من البيانات، استطاعت الشركة الصينية تحقيق كفاءة عالية عبر تحسين الخوارزميات وتقليل الاعتماد على الرقاقات الإلكترونية، مما قد يفتح الباب لمزيد من الابتكارات من دول نامية.
ومع ذلك، فإن هذه النجاحات لم تخلو من الجدل. فقد وجهت "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" اتهامات خطيرة لـ"ديب سيك"، مشيرتين إلى قيام مجموعة قرصنة مرتبطة بها بسرقة بيانات تقنية عبر واجهة برمجة التطبيقات (API) الخاصة بـ"أوبن إيه آي". وكشفت مصادر لوكالة "بلومبرج" أن باحثي أمن في "مايكروسوفت" رصدوا أنشطة مشبوهة لاستخراج كميات كبيرة من البيانات، ما دفع الشركتين لإطلاق تحقيقات سرية.
من جهته، أكد ديفيد ساكس، مستشار الذكاء الاصطناعي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجود أدلة قوية على استخدام "ديب سيك" لمخرجات نماذج "أوبن إيه آي" في تطوير تقنيتها، قائلاً: "هذا ليس تنافساً شريفاً. إنه استغلال لجهود الآخرين."
ردود فعل عالمية: بين التشجيع والتحذير
أثارت النجاحات الصينية ردود فعل متباينة. فبينما أشاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتطبيق "ديب سيك" خلال حديث إعلامي، واصفاً إياه بأنه "يعزز المنافسة الصحية"، حذر خبراء أمنيون من مخاطر الاعتماد على تقنيات قد تكون مبنية على بيانات مسروقة. كما أعلنت هيئة حماية البيانات في إحدى الدول الأوروبية — لم تُسمَّ — عن استجوابها لمسؤولي "ديب سيك" حول التزامها بمعايير الخصوصية.
مستقبل الصناعة: صراع الهيمنة يتجاوز التكنولوجيا
لا تقتصر المنافسة الصينية الأمريكية على التفوق التقني فحسب، بل تمتد إلى الجوانب الاقتصادية والسياسية. فبينما تسعى الصين لتعزيز سيادتها التكنولوجية ضمن خطتها "صنع في الصين 2025"، تُصر الولايات المتحدة على حماية ابتكاراتها عبر تشريعات صارمة، مثل قيود تصدير الرقاقات المتطورة إلى الصين.
ويختتم جيمس لو، الخبير في شؤون التكنولوجيا بجامعة بكين: "المعركة الحقيقية هي حول من سيحدد معايير الذكاء الاصطناعي العالمية. الصين تثبت أنها قادرة على اللعب في الملعب نفسه، لكن الطريق طويل ومليء بالتحديات الأخلاقية والقانونية."
الخلاصة
بينما تطلق "علي بابا" و"ديب سيك" نماذجَ ذكاء اصطناعي تهدد هيمنة الشركات الأمريكية، تبرز أسئلة حول حدود الابتكار وأخلاقياته. فالتقدم التقني السريع في الصين، وإن كان مثيراً للإعجاب، يظل محاطا بغيوم من الشكوك حول مصادر التمويل وطرق التطوير. ومع استمرار السباق، قد يكون المستفيد الأكبر هو المستخدم النهائي، الذي سينعم بمنتجات أكثر تقدماً وبأسعار أقل، لكن تحت عين مراقبة على التوازن بين الابتكار والنزاهة.
للاستماع للبودكاست اضغط هــنــا
الذكاء الاصطناعي | علي بابا | ديب سيك | Qwen 2.5-Max | المنافسة الصينية الأمريكية
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار