السعودية تستقبل أول مقاتلة إف-35 الشبحية: صفقة تاريخية أم رسالة سياسية؟

--

قبل يومين فقط، هبطت المقاتلة الأمريكية الشبحية «إف-35» على مدرج قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية، لكنها لم تأتِ لتنضم إلى الأسطول الجوي السعودي. الهدف كان مختلفاً تماماً: إتاحة الفرصة أمام ضباط سلاح الجو السعودي للاطلاع على الطائرة عن قرب قبل الإعلان المتوقع عن الصفقة المنتظرة التي قد تعيد رسم خريطة السيادة الجوية في الشرق الأوسط.

السعودية تستقبل أول مقاتلة إف-35 الشبحية: صفقة تاريخية أم رسالة سياسية؟

مصادر دفاعية مطلعة أكدت لـ«موقع الدفاع العربي» أن وصول الطائرة يمثل خطوة أولى في مسار معقد، حيث ينتظر أن يتم الإعلان الرسمي عن الصفقة في 18 نوفمبر المقبل، بالتزامن مع لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض.

صفقة بـ48 طائرة: أرقام ومراحل

تقدمت السعودية بطلب لشراء 48 مقاتلة من طراز إف-35، وقد تجاوز هذا الطلب بالفعل عقبة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التي وافقت على البيع من الناحية الفنية. لكن القرار النهائي بيد البيت الأبيض والكونغرس، حيث تخضع الصفقة لتقييم شامل للمخاطر الأمنية والتداعيات الإقليمية.

وكالة «رويترز» نقلت عن مصادر مطلعة أن الصفقة جزء من جهود دبلوماسية أوسع، إذ سبق لإدارة بايدن أن بحثت تزويد السعودية بطائرات إف-35 كجزء من صفقة شاملة تشمل ضمانات أمنية متقدمة. لكن في ظل إدارة ترامب، تبدو الصفقة أكثر واقعية، خاصة مع التقارب السياسي بين الطرفين.

الرئيس ترامب علق على الصفقة قائلاً: «يريدون شراء الكثير من المقاتلات. أنظر في الأمر. لقد طلبوا مني النظر فيه. يريدون شراء الكثير من طائرات إف-35»، مضيفاً أن السعودية «تريد شراء أكثر من ذلك… طائرات مقاتلة»، بحسب ما نقلته «CNBC عربية».

الغضب الإسرائيلي: التفوق العسكري النوعي في خطر

لم تمر صفقة إف-35 مرور الكرام في تل أبيب. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبذل جهوداً مكثفة لعرقلة الاتفاق، معتبراً أنه يمس بمبدأ «التفوق العسكري النوعي» (Qualitative Military Edge) الذي تلتزم واشنطن بالحفاظ عليه لصالح إسرائيل.

وكالة «i24NEWS» الإسرائيلية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين أن إسرائيل لا تعارض الصفقة بالمطلق، لكنها تطالب بربطها بتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب. أحد المسؤولين قال: «أبلغنا إدارة ترامب أن تزويد السعودية بإف-35 يجب أن يخضع لتطبيع العلاقات مع إسرائيل».

وبحسب «القدس العربي»، فإن نتنياهو قلق من أن تنتهي بذلك احتكاك إسرائيل لمقاتلات الجيل الخامس في المنطقة، ما سيفتح نقاشاً أمريكياً واسعاً حول مفهوم التفوق العسكري الإسرائيلي.

مخاوف البنتاجون: الصين تلاحق الطائرة الشبحية

التحفظات الإسرائيلية ليست الوحيدة التي تواجه الصفقة. تقرير استخباراتي مسرّب من وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية (DIA) حذر من أن السعودية قد تسرب التكنولوجيا الحساسة للطائرة للصين.

صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن التقرير أن بيع 48 طائرة للسعودية قد يتيح للصين الوصول إلى أسرار الطائرة الشبحية، خاصة مع تنامي التعاون العسكري بين الرياض وبكين في مجالات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

التقرير يشير إلى أن السعودية اشترت صواريخ باليستية متوسطة المدى من الصين من طراز DF-3 في الثمانينيات، وأنها حصلت لاحقاً على صواريخ DF-21 الأكثر تطوراً. كما أن وكالات الاستخباء الأمريكية تقيم أن السعودية تنتج الآن صواريخها الباليستية محلياً بمساعدة صينية، وفقاً لتحقيق «CNN» عام 2021.

السوابق الصينية: من الإمارات إلى السعودية

المخاوف الأمريكية ليست نظرية. في عام 2020، وافقت إدارة ترامب على بيع إف-35 للإمارات ضمن اتفاقيات إبراهيم، لكن الصفقة توقفت بعد أن رفضت أبوظبي شروط واشنطن بشأن إزالة معدات هواوي من شبكات الجيل الخامس. وفي أكتوبر 2025، ذكرت «فاينانشال تايمز» أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية مقتنعة بأن شركة الذكاء الصناعي الإماراتية «G42» سربت تكنولوجيا عسكرية أمريكية للصين.

هذه السوابق تجعل واشنطن حذرة للغاية. المخاوف لا تتعلق فقط بتصميم الطائرة، بل بأكثر عناصرها حساسية: قدرات التخفي، المقطع الراداري، منظومات دمج البيانات، الخوارزميات، والبرمجيات التي تدير «عقل» الطائرة.

وبحسب «Asia Times»، فإن مستوى التغلغل الصيني في قطاع الصناعات العسكرية السعودية يصعب ضمان عزل برنامج إف-35 عن هذا الوجود، خصوصاً ضمن برامج مشتركة مثل الصواريخ الباليستية.

إف-15EX: البديل الاستراتيجي

في ظل تعقيدات صفقة إف-35، تبدو مقاتلة إف-15EX خياراً واقعياً للسعودية. هذه الطائرة تمثل حجراً أساسياً في تحديث القوة الجوية السعودية بسبب عمرها الهيكلي الطويل (20 ألف ساعة طيران)، وراداراتها الأحدث، وأنظمة الحرب الإلكترونية المتفوقة، وقدرتها على حمل 22 صاروخ جو-جو.

لكن السعودية تسعى إلى إف-35 تحديداً لأنها جزء من رؤية أوسع تربطها استراتيجياً بواشنطن عبر الصيانة والدعم والتحديثات المستمرة، وهو ما لا توفره المنصات الصينية أو الروسية البديلة.

السياق الأوسع: رؤية السعودية 2030

صفقة إف-35 ليست مجرد صفقة سلاح، بل جزء من «رؤية السعودية 2030» التي تهدف إلى بناء صناعات متقدمة محلياً. ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أسس شركة «هيومن» للذكاء الصناعي لبناء مراكز بيانات ضخمة وتطوير نماذج متقدمة.

السعودية تسعى إلى شراكات اقتصادية شاملة تشمل الطاقة والهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة، إلى جانب الدعم الأمريكي لتطوير صناعات الطيران والدفاع والتعدين واللوجستيات.

وربما يكون هذا هو السبب الحقيقي وراء صمود السعودية على الحصول على إف-35 من دون تقديم تنازلات سياسية كبرى. كما قالت «نيويورك تايمز»، فإن الأمير محمد بن سلمان لن يطبع مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية، وإذا حصل على إف-35 من دون ذلك، فسيكون قد حقق مكسباً كبيراً.

رسائل متعددة الأطراف: لمن توجه؟

ظهور إف-35 في قاعدة الأمير سلطان ليس حدثاً عابراً، بل رسالة سياسية وعسكرية واقتصادية متشابكة:

أولاً: رسالة لإيران بأن جيلاً جديداً من المقاتلات أصبح حاضراً في الخليج.
ثانياً: رسالة للسعودية بأن هذا هو السلاح الذي سيجعلها قوة جوية عظمى.
ثالثاً: رسالة للكونغرس وإسرائيل بأن الواقع يتطور، وأن رفض الصفقة قد يدفع الرياض شرقاً نحو الصين.

السؤال الحقيقي

السؤال الآن ليس هل ستحصل السعودية على أول طائرة إف-35، بل كيف سيتغير شكل السيادة الجوية في الشرق الأوسط لحظة هبوط أول مقاتلة شبحية عربية على مدرج قاعدة الأمير سلطان؟

الإجابة قد تأتي في الأيام القليلة المقبلة، مع اقتراب الموعد المرتقب للإعلان الرسمي، وفيما إذا كان ترامب سيختار إرضاء حليفه السعودي أم حفظ التوازن الإقليمي الذي يخدم المصالح الأمريكية.

مصادر المقال:

  1. رويترز - "طلب السعودية شراء مقاتلات إف-35 يتجاوز عقبة رئيسية في البنتاغون" -
  2. نيويورك تايمز - "مسؤولون أمريكيون أثاروا مخاوف إزاء سعي السعودية لشراء طائرات إف-35" -
  3. Asia Times - "تسريب تحذير DIA يعرض صفقة إف-35 السعودية للخطر"

الوسوم

F-35 السعودية | التفوق العسكري الإسرائيلي | صفقة سلاح أمريكية | قاعدة الأمير سلطان | محمد بن سلمان ترامب

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية