87% بدلاً من 90%: هل كسرت مصر حلقة الدين المفرغة؟

--

رغم التحسن الملحوظ في مؤشرات الدين، لا تزال مصر تواجه تحديات هيكلية تستلزم حلولاً شاملة

مصر والديون العالمية في 2025: بين التحسن المرحلي والتحديات الهيكلية

شهد الاقتصاد المصري تحسناً ملحوظاً في ملف الديون العامة خلال عام 2025، مدفوعاً بعوامل متعددة تتراوح بين نمو الناتج المحلي واستقرار سعر الصرف وتعزيز الإيرادات الدولارية. غير أن هذا التحسن لا ينفي وجود أعباء ثقيلة لا تزال تثقل كاهل الموازنة العامة، وتفرض على الحكومة سعيها نحو استراتيجيات مالية أكثر شفافية واستدامة.

الترتيب العالمي: مصر في الربع الأعلى مديونية

توقع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في أكتوبر 2025 أن تنخفض نسبة الدين العام المصري إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 87% بنهاية عام 2025، مقارنة بمستويات تجاوزت 90% في العام المالي السابق. هذا الانخفاض يبعد مصر بشكل ملحوظ عن قمة قائمة الدول الأكثر مديونية في العالم، حيث تحتل المرتبة 36 عالمياً وفقاً لأحدث بيانات من صندوق النقد الدولي .

وتتصدر اليابان قائمة الدول مديونية بنسبة 230%، تليها السودان (222%) وسنغافورة (176%)، بينما تضم القائمة 17 دولة تتجاوز فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي حاجز الـ100% . تُظهر البيانات أن مصر لا تزال ضمن الربع الأعلى مديونية عالمياً، لكنها تتجه تدريجياً نحو مسار تصحيحي أكثر استدامة.

التوقعات المستقبلية: انخفاض تدريجي حتى 2030

تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن معدل الدين العام المصري سيستمر في الانخفاض على المدى المتوسط، ليصل إلى 85% في 2026، و82.4% في 2027، ثم 72.5% بحلول العام المالي 2029-2030 . هذه التوقعات تتماشى مع استراتيجية إدارة الدين المتوسطة الأجل التي تستهدفها الحكومة المصرية، والتي تسعى إلى خفض نسبة الدين إلى أقل من 75% خلال ثلاث سنوات .

غير أن صندوق النقد حذر من أن هذه التحسينات قد تظل أعلى من التوقعات السابقة، مما يعكس ضغوطاً متزايدة على ميزان المدفوعات بسبب التوترات الجيوسياسية المستمرة .

العوامل المحركة للتحسن: أربعة محركات رئيسية

  1. نمو الناتج المحلي

    تتوقع المؤسسات الدولية أن يسجل الاقتصاد المصري نمواً بنسبة تتجاوز 4.3% بنهاية 2025، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى 349.26 مليار دولار . هذا النمو يرفع القاسم الخاص بمعادلة الدين إلى الناتج، مما يساهم في تحسين المؤشر حتى لو استمرت القيمة المطلقة للديون في الارتفاع.

  2. استقرار سعر الصرف

    استفادت مصر من ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بأكثر من 7% منذ بداية عام 2025، مما خفض القيمة المعدلة بالعملة المحلية للديون الخارجية المقومة بالدولار، بما في ذلك سندات "اليوروبوند" وديون صندوق النقد الدولي والودائع الخليجية .

  3. تراجع التضخم وانخفاض تكلفة الاقتراض

    سجل معدل التضخم السنوي تراجعاً ملحوظاً إلى مستويات حول 12% خلال الشهرين الأخيرين، مما منح البنك المركزي المصري هامشاً لخفض أسعار الفائدة وخفض تكلفة خدمة الدين على الحكومة . وقد ساهم ذلك في تحقيق فائض أولي قدره 3.5% من الناتج المحلي في العام المالي 2025 .

  4. تعافي الإيرادات الدولارية
    مصر والديون العالمية في 2025: بين التحسن المرحلي والتحديات الهيكلية

    شهدت إيرادات قناة السويس تعافياً قوياً بنسبة 14.2% سنوياً بين يوليو وأكتوبر 2025، مع استئناف 229 سفينة عبور القناة في أكتوبر وحده - وهو أعلى رقم شهري منذ بداية الأزمة. كما عادت شركات شحن عالمية مثل CMA CGM إلى استخدام القناة، بينما تدرس شركات أخرى مثل MSC وإيفرجرين توسيع عملياتها .

برامج إدارة الديون: مبادلة الديون وتحويل الودائع

مبادلة الديون مع ألمانيا

وقعت مصر وألمانيا في منتصف نوفمبر 2025 مجموعة اتفاقيات تمويل ومبادلة ديون بقيمة إجمالية 341.26 مليون دولار (حوالي 16 مليار جنيه مصري) . يشمل البرنامج مبادلة دين بقيمة 198.5 مليون دولار مخصصة لربط محطات الطاقة المتجددة بمنصة "NWFE" (الربط بين المياه والغذاء والطاقة)، بالإضافة إلى اتفاقية بروتوكول تفاوض بقيمة 142.37 مليون دولار لتمويل مشاريع مستقبلية .

وتبلغ إجمالي مبادلات الديون بين البلدين نحو 393.6 مليون دولار، تمثل 18.05% من إجمالي ديون مصر المستحقة لألمانيا . وقّعت مصر أيضاً اتفاقية بقيمة 57.88 مليون دولار لربط محطتي "أكوا باور 1 و2" بقدرة 1100 ميغاواط بالشبكة الكهربائية الوطنية .

تحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات

تعمل الحكومة المصرية على تحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات مباشرة في مشاريع استراتيجية مثل مشروع "رأس شقير" على ساحل البحر الأحمر و"علم الروم" في مرسى مطروح. هذه المبادرات تهدف إلى تقليل الالتزامات الدينية المباشرة وجذب استثمارات طويلة الأمد .

التصنيف الائتماني: ترقية تاريخية

أقدمت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية في 10 أكتوبر 2025 على ترقية التصنيف الائتماني لمصر من "B-" إلى "B" للمرة الأولى منذ سبع سنوات، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة . بررت الوكالة قرارها بنتائج الإصلاحات الاقتصادية والتحسن في الموقف الخارجي وتحول مصر إلى سعر صرف مرن يدعم النمو والسياحة .

التحديات المتبقية: عبء الفوائد والديون الخارجية

عبء خدمة الديون

رغم التحسن في المؤشرات الإجمالية، لا تزال مدفوعات الفوائد تشكل الجزء الأكبر من النفقات الحكومية. تشير بيانات صندوق النقد إلى أن احتياجات التمويل الإجمالية تتراوح بين 30-37% من الناتج المحلي في السنوات الأخيرة - أي ضعف المعدل الذي يعتبر آمناً للاقتصادات الناشئة (15% من الناتج المحلي) .

مخاطر الديون الخارجية

تشكل الديون الخارجية نحو 44% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعرض مصر لمخاطر تقلبات أسعار الصرف. يحذر صندوق النقد من أن كل انخفاض في قيمة الجنيه المصري يرفع تكلفة الالتزامات الخارجية بالعملة المحلية .

مخاطر السيولة

تزيد الاحتياجات التمويلية المرتفعة من مخاطر إعادة التمويل على المدى القصير، خاصة مع توقعات ارتفاع الفجوة التمويلية إلى 8.2 مليار دولار في العام المالي 2025-2026 .

الخلاصة: نصف كوب ممتلئ يتطلب حذراً

تحقق مصر تقدماً ملموساً في إدارة ملف الديون العامة، بدعم من نمو اقتصادي قوي وإصلاحات نقدية ومالية جريئة. غير أن هذا التحسن يظل هشاً في ظل أعباء خدمة الديون المرتفعة والاعتماد الكبير على التمويل الخارجي. يتطلب الموقف استمرار الإصلاحات الهيكلية لتوسيع القاعدة الضريبية وتحسين إنتاجية الاقتصاد، إلى جانب مزيد من الشفافية في إعلان مؤشرات الدين الشاملة بما يتجاوز نسبة الدين إلى الناتج المحلي.

المصادر

الوسوم

الديون المصرية | نسبة الدين إلى الناتج المحلي | ترتيب الدول مديونية | صندوق النقد الدولي | مبادلة الديون

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية