الديون تخنق مصر: تقشف قاس بأوامر صندوق النقد

--

الديون تخنق مصر: تقشف قاس بأوامر صندوق النقد

القاهرة – في خطوة تحمل بصمات أزمة مالية حادة، فرضت الحكومة المصرية إجراءات تقشفية غير مسبوقة تطال قطاعات حيوية من البنية التحتية والخدمات العامة، في محاولة لوقف نزيف الديون العامة الذي بات يهدد استقرار الاقتصاد الوطني.

تبدأ الإجراءات برفع أسعار الطاقة والنقل والخدمات العامة، مصحوبة بتجميد الضمانات السيادية عن المشروعات الكبرى في التعليم والصحة والنقل، وهي القطاعات التي تشكل شريان النمو والتوظيف المباشر.

خريطة التقشف الجديدة

نشرت وزارة المالية تعميماً واضحاً يمنع إصدار أي ضمانة سيادية جديدة، إلا للمشروعات التي تضمن عائداً نقدياً عالياً، كما وجهت بتجميد الأصول الجديدة والمعدات المستوردة، ما لم تكن ممولة ذاتياً أو عبر شراكات مع القطاع الخاص والأجنبي بنظامي BOT (البناء والتملك والتحويل) أو PPP (الشراكة مع القطاع الخاص).

وتستهدف تلك التعليمات خفض الإنفاق العام، وضبط عمليات الشراء والتوسع الرأسمالي للشركات المملوكة للدولة، خاصة التي تعاني من مديونية مرتفعة أو ضعف في العائد التشغيلي، لتقليل الانكشاف المالي أمام الشركاء المحليين والأجانب.

الضغوط الخارجية تكشف الأرقام

كشفت مصادر حكومية رفيعة لـ العربي الجديد أن التعليمات الجديدة جاءت بطلب صريح من صندوق النقد الدولي، الذي ترسل بعثته نهاية الأسبوع إلى القاهرة لإجراء المراجعة الخامسة والسادسة من برنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع عام 2022 والمعدل في مارس 2024.

يهدف الصندوق إلى فرض "خطة دين واضحة ومحددة الأهداف" قبل نهاية ديسمبر 2025، مقابل دفعة تمويلية جديدة تقدر بنحو 1.7 مليار دولار، إضافة إلى قرض استدامة بقيمة 1.3 مليار دولار، وتسهيلات إنمائية من البنك الدولي لمشروعات التعليم والصحة والطاقة النظيفة.

مخطط الأوزان المالية (توضيحي)

تتجاوز ديون مصر الخارجية 162 مليار دولار، بينما تصل الديون المحلية إلى أكثر من 8 تريليونات جنيه. رغم إعلان الحكومة عن احتياطي نقدي يتجاوز 50 مليار دولار، إلا أن الأصول النقدية الفعلية لا تتعدى 11.2 مليار دولار فقط، وفقاً لتحليل خبير التمويل وائل النحاس.

ويعتمد الاحتياطي بشكل كبير على ودائع دولارية لدول خليجية ومؤسسات دولية، إلى جانب 42 مليار دولار كأموال ساخنة تستغل الفارق في أسعار الفائدة، وهو ما يمثل تهديداً حقيقياً لاستقرار العملة، مثلما حدث عام 2022 عندما هربت 22 مليار دولار خلال أسابيع عقب الحرب الروسية الأوكرانية.

القطاعات المتضررة

تتضح آثار التقشف في تجميد مفاوضات شراء 14 طائرة من شركتي إيرباص الأوروبية وبوينغ الأميركية، والاتجاه بدلاً من ذلك إلى الإيجار التشغيلي (Operation Lease) لتقليل الالتزامات الدولارية.

كما أُجّل صرف الدفعات الدولارية لمشروع تطوير شركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، الذي بدأ عام 2022 بتكلفة 20 مليار جنيه، وتم إيقاف شراء حافلات كهربائية بالإسكندرية لنقص التمويل الأجنبي.

وتعرض مشروع القطار السريع، الذي يمتد 2000 كيلومتر بين العين السخنة والعلمين وأسوان، لضغوط مالية بعد توقف الحكومة عن تقديم ضمانات جديدة لتحالف سيمنز والشركات المحلية.

تحذيرات الخبراء

حذر نائب رئيس الوزراء الأسبق زياد بهاء الدين من أن تكلفة خدمة الدين تستحوذ على 55% من إجمالي الإنفاق الحكومي، رغم تحسن الإيرادات الدولارية من تحويلات المصريين بالخارج والسياحة والتصدير.

ودعا بهاء الدين إلى رؤية جديدة خارج إطار صندوق النقد تضمن إصلاحات هيكلية حقيقية قبل انتهاء العلاقة مع الصندوق عام 2027.

من جهته، أشار وائل النحاس إلى أن التقشف يعكس عجزاً عن الاقتراض الخارجي والتوسع في طبع العملة المحلية الذي تجاوز 2.4 تريليون جنيه، مما سيؤدي إلى مزيد من الطلب على القروض وتآكل المخصصات المخصصة للاستثمارات، لصالح دفع الأجور والتشغيل.

مصادر:

  • تقرير "مصر تبدأ إجراءات تقشف قاسية بسبب الديون"، العربي الجديد، 14 نوفمبر 2025
  • بيانات وزارة المالية المصرية الرسمية
  • تصريحات خبراء الاقتصاد الواردة في التحقيق الصحفي

الوسوم

التقشف المالي في مصر | الديون المصرية | صندوق النقد الدولي مصر | الضمانات السيادية المصرية | القطار السريع مصر

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية