مصر تستثمر مليار دولار في محطات تموين السفن بالغاز الطبيعي

--

مصر تستثمر مليار دولار في محطات تموين السفن بالغاز الطبيعي

تخطط مصر لتحويل موانئها الرئيسية إلى محطات رئيسية لتموين السفن بالغاز الطبيعي المسال، ضمن استراتيجية طموحة تستهدف إنشاء 4 محطات ضخمة بحلول عام 2030 باستثمارات تتجاوز المليار دولار. تندرج هذه الخطوة في إطار رؤية شاملة لتعزيز مكانة البلاد كمركز إقليمي للطاقة النظيفة في منطقة شرق المتوسط.

المشروع الضخم في الموانئ المصرية

كشف مسؤول حكومي بارز لشبكة "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ" أن المحطات الأربع ستتركز في الموانئ الأكثر نشاطاً وحركةً في البلاد: بورسعيد والعين السخنة والإسكندرية والسويس. يمثل هذا التوزيع الاستراتيجي استجابة مباشرة لمتطلبات التنمية المستدامة والتحول نحو وقود نظيف يتوافق مع معايير الاستدامة البيئية العالمية.

تأتي هذه المبادرة في وقت تتزايد فيه الطلب العالمي على خدمات التموين بالغاز الطبيعي المسال، خاصة مع تحول شركات الشحن الكبرى نحو أساطيل صديقة للبيئة. تستفيد مصر من مواردها الأساسية المتمثلة في مصنعي الإسالة في إدكو ودمياط، مما يمنحها ميزة تنافسية فريدة مقارنة بدول المنطقة.

شراكات عالمية واهتمام استثماري

أفاد المسؤول أن شركات عالمية عملاقة أبدت اهتماماً واضحاً بالاستثمار في هذا المجال، من بينها "شل" العالمية و"بيراميد" و"إنفينيتي" و"إيغل غاس". تدرس هذه الشركات ضخ استثمارات بشكل منفرد أو بالشراكة مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس).

وقّعت إيجاس عدداً من مذكرات التفاهم خلال مؤتمر المناخ (COP27) الذي استضافته مصر في شرم الشيخ عام 2022 مع تحالفات وشركات متخصصة لإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية وتقديم نماذج عمل متكاملة للمشروع، تمهيداً لتنفيذه فور ثبوت جدواه الاقتصادية.

التزام ميرسك بأسطول الغاز المزدوج الوقود

تزامناً مع الخطة المصرية، تدفع شركة "إيه بي مولر ميرسك" بقوة نحو تطوير أسطولها. في بيان رسمي صدر عن الشركة في أغسطس 2024، أعلنت ميرسك عن خططها لتوقيع عقود بناء وتأجير لسفن مزدوجة الوقود بسعة إجمالية تصل إلى 800 ألف حاوية (TEU) للفترة بين 2026 و2030.

صرح رباب بولوس، الرئيس التنفيذي للعمليات في ميرسك: "برنامج تجديد الأسطول أساسي للحفاظ على ميزتنا التنافسية في أعمال الشحن، وهو ركن أساسي في خطة تخفيف الكربون". وأضاف أحمد حسن، رئيس استراتيجية الأصول والشراكات الاستراتيجية: "ستضمن هذه السفن تدفقاً مستمراً من القدرات الضرورية لشبكتنا مع بناء مجموعة أدوات تنافسية".

تتضمن الخطة طلبيات لـ 50-60 سفينة مزدوجة الوقود، منها 300 ألف TEU سفن مملوكة و500 ألف TEU عبر عقود تأجير. ستعمل هذه السفن على الميثانول الأخضر والغاز المسال الحيوي (bio-LNG)، ما يعكس استراتيجية متعددة الوقود لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2040.

قناة السويس في قلب الاستراتيجية

تتكامل خطط محطات التموين مع رؤية قناة السويس للتحول إلى "قناة خضراء" بالكامل بحلول 2030. أعلن الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، عن إنشاء محطة لتسييل وتخزين الغاز الطبيعي في بورسعيد لتموين القاطرات البحرية بالغاز المسال، مما يعزز من قدرة القناة على خدمة السفن العابرة بوقود نظيف.

تعد قناة السويس، التي تشهد عبور أكثر من 20 ألف سفينة سنوياً، نقطة محورية في استراتيجية التموين بالغاز. تتيح موقعها الجغرافي الفريد فرصة خدمة السفن المتجهة بين أوروبا وآسيا، ما يجعلها سوقاً واعدة لتجارة الغاز البحري.

من مصدر صافٍ إلى مركز إقليمي للطاقة

شهدت مصر تحولاً ملحوظاً في مشهدها الغازي، حيث انتقلت من مُصدّر صافٍ للغاز إلى مستورد للغاز المسال. تستورد القاهرة الغاز من دول المنطقة، خصوصاً قبرص وإسرائيل، وتسيّله في محطاتها لإعادة بيعه في الأسواق العالمية بهامش ربح، مستفيدة من الاكتشافات الغازية الكبرى التي شهدتها المنطقة عامي 2009 و2010.

يعكس هذا النموذج رؤية مصر لتعظيم قيمة البنية التحتية الغازية القائمة، وتحويل التحديات إلى فرص استثمارية. مع محطات التموين الجديدة، ستكتمل منظومة تكاملية تشمل الاستيراد والتسييل والتخزين والتصدير، بالإضافة إلى خدمة السفن العابرة.

التمويل والجدوى الاقتصادية

أوضح المسؤول الحكومي أن القيمة الاستثمارية الإجمالية للمحطات الأربع تتجاوز مليار دولار، منوهاً إلى أن دراسات الجدوى الجارية ستُحدد نموذج المشروع النهائي. تتضمن الخيارات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث قد تستثمر شركات الطاقة العالمية بشكل منفرد أو بالتحالف مع إيجاس.

تعد الشراكات الدولية عاملاً حاسماً في نجاح المشروع، خاصة مع شركات مثل "شل" التي تملك خبرة واسعة في أسواق الغاز العالمية، و"بيراميد" و"إنفينيتي" اللتين توسعتا مؤخراً في السوق المصري.

تحديات ومزايا المشروع

رغم الإمكانات الكبيرة، تواجه المشروع تحديات تتعلق بالتنظيم الدولي والمنافسة الإقليمية. دول مثل الإمارات والسعودية تطور محطات تموين خاصة بها، بينما تحتاج مصر إلى ضمان توافر الغاز بأسعار تنافسية.

لكن الميزات المصرية واضحة: البنية التحتية جاهزة، الموقع الجغرافي استراتيجي، والطلب المتوقع من شركات الشحن الكبرى مثل ميرسك يضمن جدوى اقتصادية قوية. كما أن التزام هيئة قناة السويس بالتحول الأخضر يوفر سوقاً محلية ضخمة.

خاتمة

تمثل محطات تموين السفن بالغاز الطبيعي فرصة مصرية فريدة للجمع بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية. بالاستفادة من مواردها الطبيعية والبنية التحتية القائمة، والتوقيت المثالي مع تحول شركات الشحن العالمية، تسير مصر بخطى واثقة نحو تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة النظيفة.

مع اهتمام شركات عالمية بالاستثمار، وتعاون مؤسسات مثل ميرسك، ودعم استراتيجية قناة السويس الخضراء، يبدو المشروع واعداً بتحقيق عائد اقتصادي مجزٍ مع المساهمة في تخفيف أثر التغير المناخي.

المصادر:

(1) اقتصاد الشرق مع بلومبرغ - مصر تعتزم إنشاء 4 محطات لتموين السفن بالغاز بحلول 2030: https://asharqbusiness.com/economics/108629/مصر-تعتزم-إنشاء-4-محطات-لتموين-السفن-بالغاز-بحلول-2030/ (آخر زيارة: نوفمبر 2025)

(2) ميرسك - بيان صحفي عن تجديد الأسطول (أغسطس 2024): https://www.maersk.com/news/articles/2024/08/07/maersk-continues-with-fleet-renewal-plan (آخر زيارة: نوفمبر 2025)

(3) ميرسك - بيان صحفي عن طلبيات السفن المزدوجة الوقود (ديسمبر 2024): https://www.maersk.com/news/articles/2024/12/02/maersk-completes-order-of-20-dual-fuel-vessels (آخر زيارة: نوفمبر 2025)

الوسوم

محطات تموين السفن بالغاز | قناة السويس | الغاز الطبيعي المسال | استثمارات مصر الطاقية | شركات الشحن العالمية

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية