أفريقيا على شفير الانقسام.. رحلة تكوين قارة جديدة تحت أقدامنا

--

أفريقيا على شفير الانقسام.. رحلة تكوين قارة جديدة تحت أقدامنا

تمر قارة أفريقيا بأحد أكبر التحولات الجيولوجية في التاريخ الحديث، حيث تبدأ رحلة انقسام بطيئة قد تنتهي بتكوين قارة جديدة ومحيط سادس على كوكب الأرض. كشف فريق من العلماء في جامعة كيل البريطانية عن أدلة جديدة تؤكد أن هذا الانفصال بدأ منذ عشرات الملايين من السنين، وأن عملية التفكك مستمرة حتى الآن بمعدلات دقيقة لا تشعر بها سكان القارة.

بداية الانقسام من منطقة عفار

تبدأ عملية الانقسام من منطقة عفار في شمال شرق إفريقيا، التي تعتبر نقطة محورية في هذا التحول الجيولوجي الهائل. تلتقي في هذه المنطقة ثلاثة صدوع تكتونية رئيسية: الصدع الإثيوبي الرئيسي وصدع البحر الأحمر وصدع خليج عدن، مشكلة ما يعرف بالتقاطع الثلاثي النادر. ويعتقد العلماء أن هذه المنطقة تقدم نموذجاً حياً للمراحل الأولى من تفكك القارات.

ويقول البروفيسور بيتر ستايلز، عالم الجيولوجيا في جامعة كيل، إن النتائج التي توصل إليها فريق البحث تؤكد أن القارات تتغير باستمرار تحت أقدامنا، وأن النظرية التكتونية للصفائح تفسر كيفية تحرك هذه الصفائح على مدى ملايين السنين، مما أدى إلى تشكيل القارات والمحيطات الحالية.

الصدع الشرقي لأفريقيا.. شريان الانقسام الرئيسي

يركز العلماء اهتمامهم على الصدع الشرقي لأفريقيا (EARS)، أحد أبرز الظواهر التكتونية على سطح الكوكب. يمتد هذا الصدع لمسافة تصل إلى 6437 كيلومتراً، انطلاقاً من الأردن في الشمال مروراً بشرق أفريقيا وصولاً إلى موزمبيق في الجنوب.

وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية وقياسات النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) أن الصفيحتين التكتونيتين - الصومالية والنوبية - تفترقان بمعدل يتراوح بين 5 و16 ملليمتراً في السنة في شمال الصدع، أي بسرعة نمو أظافر الإنسان. وهو معدل يبدو بطيئاً للغاية بالنسبة للحياة البشرية، لكنه سريع بمعايير الجيولوجيا.

أدلة من الأرشيف.. بيانات الستينيات تكشف الأسرار

اعتماداً على بيانات مغناطيسية جوية جُمعت في عامي 1968 و1969، استخدم فريق جامعة كيل تقنيات حديثة لتحليل المجال المغناطيسي للقشرة الأرضية. أظهر التحليل وجود خطوط انتشار قديمة لقاع البحر بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ما يشير إلى أن الانفصال بدأ منذ عشرات الملايين من السنين.

وتعد هذه الطريقة فريدة من نوعها، حيث أعاد العلماء إحياء بيانات قديمة باستخدام تقنيات تحليلية متطورة، ما سمح برؤية الأنماط الجيولوجية التي لم تكن واضحة سابقاً. وقد نُشرت هذه النتائج في مجلة علوم الأرض الإفريقية [Journal of African Earth Sciences].

خريطة القارة الجديدة.. كتلتان ومحيط سادس

توقع العلماء أن تنتهي عملية الانقسام - خلال خمسة إلى عشرة ملايين سنة - بتكوين كتلتين قاريتين منفصلتين:

الكتلة الغربية (الأكبر): ستضم معظم دول القارة مثل مصر والجزائر ونيجيريا وغانا وناميبيا، بمساحة تزيد عن 10 ملايين كيلومتر مربع.

الكتلة الشرقية (الأصغر): ستضم الصومال وكينيا وتنزانيا وموزمبيق وجزءاً كبيراً من إثيوبيا، بمساحة تقدر بنحو مليون كيلومتر مربع.

وعند اكتمال الانقسام، سيجد البحر الأحمر وخليج عدن طريقهما إلى منخفضات الصدع، مما يؤدي إلى تشكيل محيط جديد. وسيحصل هذا المحيط على مساحات شاسعة من الماء من المحيط الهندي، وسينقسم بحيرات المنطقة الكبرى مثل ملاوي وتوركانا.

براكين وزلازل.. علامات المرحلة الانتقالية

لا تقتصر عملية الانقسام على التباعد التكتوني فحسب، بل تترافق مع زيادة في النشاط البركاني والزلزالي. ففي عام 2005، أدت سلسلة من أكثر من 400 هزة أرضية في منطقة عفار الإثيوبية إلى ظهور شق يبلغ طوله 60 كيلومتراً بين ليلة وضحاها. وفي عام 2018، ظهر شق ضخم آخر في وادي الصداع الكيني، ما أبرز الديناميكية المستمرة لهذه العملية.

ووفقاً للدكتورة إيما واتس، عالمة الجيولوجيا في جامعة سوانزي، فإن النشاط البركاني في منطقة عفار لا يتوقف، حيث تتدفق الصهارة من أعماق الأرض بشكل نبضات منتظمة، تدفع بالصفائح التكتونية وتسرع من عملية التفكك.

تداعيات مستقبلية.. واقع جغرافي جديد

مع اكتمال الانقسام، ستتغير خريطة أفريقيا بشكل جذري. ستجد دول غير ساحلية مثل رواندا وأوغندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية وملاوي وزامبيا نفسها فجأة على ساحل المحيط الجديد، مما يفتح آفاقاً اقتصادية واستراتيجية جديدة. أما دول مثل كينيا وتنزانيا وإثيوبيا، فستمتلك كل منها قطري أرضيين: إحدهما في القارة الغربية والآخر في القارة الشرقية.

ويؤكد كين ماكدونالد، العالم البحري في جامعة كاليفورنيا، أن المحيط الجديد سيظهر أولاً في منطقة خليج عدن، ثم يمتد جنوباً عبر الصدع، مما سيغير المناخ والنظام البيئي للمنطقة بأكملها.

الحقيقة العلمية.. لا داعي للقلق

رغم أن فكرة انقسام قارة بأكملها قد تبدو كسيناريو كارثي، يطمئن العلماء بأن هذه العملية جزء من الدورة الطبيعية للأرض. فقبل 150 مليون سنة، انفصلت أمريكا الجنوبية عن أفريقيا على نفس النحو، مما أدى إلى تكوين المحيط الأطلسي.

ويرى البروفيسور ستايلز أن "هذه العملية تمثل عملية مستمرة لتشكيل قارات ومحيطات جديدة على الأرض، وهي تتكرر منذ ملايين السنين". وأضاف أن "البشر لن يلاحظوا التغييرات على المدى القصير، لكننا نشهد الآن مرحلة انتقالية حاسمة في تاريخ القارة السمراء".

وفي نهاية المطاف، يجب أن نفهم أن أفريقيا ليست في خطر، بل هي في رحلة ولادة جديدة ستغير وجه الأرض كما نعرفه.

المصادر المباشرة:

الوسوم

انقسام أفريقيا | الصدع الشرقي لأفريقيا | منطقة عفار الإثيوبية | التقاطع الثلاثي | القارات الجديدة

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

مقتل ياسر أبو شباب.. زعيم المليشيات المتعاونة مع إسرائيل في غزة

"ضربة العقرب" وتغيير المعادلة.. واشنطن تنشر أول سرب مسيرات "انتحارية" في الشرق الأوسط

الذهب يتألق مدعوماً بتراجع الدولار وترقب بيانات التضخم الأمريكية