لماذا تثير الترسانة العسكرية المصرية قلق إسرائيل؟ تحليل لتصريحات وتداعيات

مدة القراءة:

في تصريحات لافتة، عبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته، الجنرال هرتسي هاليفي، عن قلقه مما وصفه بـ"التهديد الأمني المحتمل من مصر"، رغم تأكيده أن هذا التهديد ليس "ملحاً" في الوقت الحالي. جاءت هذه التصريحات خلال كلمة ألقاها أمام خريجي دورة ضباط في مدينة حولون، ونقلتها القناة 14 الإسرائيلية، لتعيد إشعال النقاش حول طبيعة العلاقات العسكرية بين البلدين، رغم مرور 45 عامًا على توقيع معاهدة السلام.

لماذا تثير الترسانة العسكرية المصرية قلق إسرائيل؟ تحليل لتصريحات وتداعيات

صريحات هاليفي: بين القلق والواقع

أشار هاليفي إلى أن مصر تمتلك "جيشاً ضخماً مجهزاً بأسلحة متطورة، تشمل طائرات قتالية حديثة، وغواصات، وصواريخ بعيدة المدى، وأعداداً هائلة من الدبابات والمشاة"، معتبرًا أن هذه القدرات "قد تتحول إلى تهديد حقيقي لإسرائيل في أي لحظة". ورغم تطمينه بأن الوضع الراهن مستقر، إلا أن تحذيره يعكس هواجس عميقة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه التطور العسكري المصري.

هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤولون إسرائيليون هذه المخاوف. ففي يناير 2023، تساءل مندوب إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة، داني دانون، عن سبب امتلاك مصر "هذا العدد من الغواصات والدبابات"، متشككاً في الحاجة إليها في ظل "انعدام التهديدات الإقليمية المباشرة".

الرد المصري: الدفاع عن الأمن القومي حقٌ مشروع

رداً على هذه التساؤلات، أكد السفير أسامة عبد الخالق، المندوب الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة، في فبراير 2023، أن "الدول الكبرى تحتاج إلى جيوش قوية لحماية أمنها القومي"، مشيرًا إلى أن العقيدة العسكرية المصرية "دفاعية بحتة، وقادرة على الردع". وأضاف: "مصر كانت رائدة في إرساء السلام بالشرق الأوسط، لكنها لن تتهاون في الدفاع عن سيادتها".

الجذور التاريخية: من الحرب إلى السلام الهش

لفهم هذه التوترات، لا بد من العودة إلى اتفاقية السلام الموقعة عام 1979، والتي أنهت حالة الحرب بين البلدين بعد صراع دام عقوداً. نصت الاتفاقية على انسحاب إسرائيل الكامل من سيناء، وتحويلها إلى منطقة منزوعة السلاح، مع تقييد الوجود العسكري المصري فيها. لكن التطورات اللاحقة، مثل تصاعد التهديدات الإرهابية في سيناء، دفعت مصر إلى تعزيز وجودها الأمني تدريجياً، بإذن إسرائيلي ضمني.

اليوم، تثير القاهرة ريبة تل أبيب بسبب صفقات التسلح الكبيرة، مثل شراء الغواصات الألمانية من نوع تايب 209، والطائرات الروسية SU-35، والتي تعتبر ذات قدرات استراتيجية قد تؤثر على التوازن العسكري الإقليمي.

لماذا القلق الإسرائيلي الآن؟ تحليل الأسباب

  1. التوسع في القدرات الهجومية: تعد الغواصات المصرية، التي يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات، مصدر قلق لإسرائيل لقدرتها على تعطيل خطوط الملاحة البحرية أو شن هجمات صاعقة.
  2. التنافس على النفوذ الإقليمي: في ظل تحالفات متغيرة، تسعى مصر لتعزيز دورها كقوة عسكرية وسياسية رائدة في المنطقة، مما قد يصطدم بالمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر وشرق المتوسط.
  3. الهواجس الدائمة من تغير النظام: تُبدي إسرائيل حساسية تجاه أي سيناريو قد تتغير فيه السياسات المصرية مستقبلاً، حتى لو كانت العلاقات الحالية وثيقة تحت حكم الرئيس السيسي.

السلام تحت المجهر: هل الترسانة المصرية تهدد الاستقرار؟

رغم التخوفات الإسرائيلية، تؤكد القاهرة التزامها بمعاهدة السلام، وهو ما تجسد في تعاون استخباراتي مشترك ضد الجماعات المسلحة في سيناء. لكن الخبراء يشيرون إلى أن إسرائيل تتعامل مع أي نمو عسكري عربي من منظور "الأسوأ احتمالاً"، خاصة في ظل عدم وجود ضمانات دائمة.

من جانبه، يرى محللون أن مصر تعيد بناء جيشها لمواجهة تحديات داخلية (مثل الإرهاب) وخارجية (مثل التوترات مع إثيوبيا حول سد النهضة)، وليس لاستهداف إسرائيل. ومع ذلك، تظل الحدود المشتركة الأطول بين البلدين (265 كم) عاملًا جيوسياسيّاً حاسماً في حسابات كلا الجانبين.

خلاصة: السلام القائم على الريبة

تصريحات هاليفي ودانون تكشف تناقضاً وهرياً في العلاقات المصرية-الإسرائيلية: ففيما يُشكل التعاون الأمني ركيزة للاستقرار الإقليمي، تظل الثقة بين الجانبين هشة، مع استمرار سباق التسلح الخفي. السؤال الأبرز الآن: هل تكفي الآليات الدبلوماسية الحالية لاحتواء هذه الهواجس، أم أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التنافس العسكري المُعلن؟

يبدو أن الإجابة ستتحدد بمدى التزام الطرفين بخطاب الاعتدال، وقدرتهما على فصل "التدابير الدفاعية" عن "التصعيد الاستباقي"، في منطقةٍ تزداد تعقيداً كل يوم.

للاستماع للبودكاست اضغط هــنــا 


Share/Bookmark

الترسانة العسكرية المصرية | إسرائيل | معاهدة السلام | الغواصات المصرية | التوازن العسكري

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

صفقة القرن النووية؟ ترامب يفاجئ العالم برسالة سرية لخامنئي

النفط يسجل أكبر انخفاض أسبوعي منذ أكتوبر وسط مخاوف الإمدادات والرسوم الجمركية

وظائف أهرام الجمعة 7-3-2025 لكل المؤهلات والتخصصات بمصر والخارج