بين الماضي والحاضر: هل يمكن أن تتحول الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى مواجهة نووية؟

مدة القراءة: 4 دقائق

مقدمة: التاريخ يعيد نفسه بأدوات مختلفة

عندما أقال الرئيس ترومان الجنرال ماكارثر عام 1951 لاقتراحه ضرب الصين نووياً، كان السؤال المركزي: كيف نمنع الصراع من الخروج عن السيطرة؟ اليوم، وبينما تشهد العلاقات الأمريكية-الصينية توتراً غير مسبوق في ظل حرب تجارية وتكنولوجية، يعود السؤال ذاته: هل يمكن أن تتحول المنافسة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة؟ بل والأكثر إثارة للقلق: هل يمكن أن تلجأ واشنطن إلى "الخيار النووي" ضد بكين؟

بين الماضي والحاضر: هل يمكن أن تتحول الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى مواجهة نووية؟

التشابهات: دروس من الحرب الكورية

1. السيطرة المدنية و التصعيد العسكري

كما رفض ترومان تصعيد الحرب الكورية عبر الضربات النووية، تصر الإدارات الأمريكية الحديثة – حتى الأكثر تشدداً – على تجنب المواجهة المباشرة مع الصين، لا سيما بعد أن أصبحت قوة نووية عظمى (تمتلك ~410 رؤساً نووية، وفقاً لـ SIPRI 2023). الفرق الجوهري هنا أن الصين في 2023 ليست الصين الضعيفة عام 1950؛ فقدراتها العسكرية والاقتصادية تجعل أي ضربة أمريكية مكلفة بشكل غير مسبوق.

2. الخطاب العدائي والحدود غير الواضحة

في الخمسينيات، عبر ماكارثر عن استعداده "لتدمير الصين" إذا لزم الأمر، وهو ما يشبه الخطاب الأمريكي الحالي تجاه الصين في بعض الأوساط السياسية، مثل تصريحات بعض الكونغرس الأمريكي عن "سحق طموحات الصين التوسعية". لكن الفارق أن الخطاب اليوم يتركز على احتواء النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي، وليس اجتياحاً عسكرياً.

الفروق الجوهرية: لماذا "الخيار النووي" مستبعد اليوم؟

1. توازن الرعب النووي (MAD)

تمتلك الصين منذ 1964 ترسانة نووية، وتطورت قدراتها لضرب الأراضي الأمريكية عبر صواريخ مثل DF-41 (مدى 12,000 كم). وفقاً لدراسة حديثة لـ RAND Corporation، أي ضربة أمريكية ستواجه برد مدمر، مما يجعل الفكرة انتحارية سياسياً وعسكرياً.

2. الاقتصاد العالمي: سلاح ذو حدين

في 1950، كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين شبه معدومة، أما اليوم، فالصين أكبر دائن لأمريكا (تمتلك سندات خزينة بقيمة ~$1 تريليون)، وشركات مثل آبل تعتمد على سلسلة توريد صينية. حرب نووية تعني انهيار النظام المالي العالمي، وهو ما لا تتحمله واشنطن نفسها.

3. القانون الدولي والأعراف الجديدة

بعد اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية (مثل NPT وNew START) وتشكيل محكمة الجنايات الدولية، أصبح استخدام السلاح النووي جريمة ضد الإنسانية، مما يحد من أي مغامرة.

الحرب التجارية: "الأسلحة النووية" الاقتصادية

إذا كان الخيار النووي العسكري مستبعداً، فإن واشنطن وبكين تستخدمان ما يشبه "أسلحة الدمار الاقتصادي الشامل":

  • العقوبات الأمريكية: كحظر شركة هواوي، وتقييد شرائح أشباه الموصلات.
  • الرد الصيني: مقاطعة المنتجات الزراعية الأمريكية، وتجميد استثمارات.

لكن حتى هنا، يتعلم الطرفان من درس ترومان-ماكارثر: التصعيد المفرط يضر الجميع. فمثلاً، عندما هدد ترامب بفرض رسوم على جميع الواردات الصينية (2019)، انخفضت أسواق الأسهم العالمية بنسبة 5% في يوم واحد.

سيناريوهات التصعيد: ماذا لو خرج الوضع عن السيطرة؟

رغم استبعاد المواجهة النووية، يحذر خبراء مثل جراهام أليسون (مؤلف كتاب Destined for War) من "فخ ثوسيديدس"، حيث تتصاعد المنافسة إلى حرب بسبب سوء الفهم. السيناريوهات الأكثر واقعية تشمل:

  1. مواجهة بحرية في بحر الصين الجنوبي: اصطدام سفن أو طائرات.
  2. أزمة تايوان: إذا أعلنت الجزيرة استقلالها، قد تتدخل الصين عسكرياً، وترد واشنطن.
  3. حرب سيبيرية: اختراق صيني لبنوك أمريكية أو شبكات كهرباء رداً على عقوبات.

لكن حتى في هذه الحالات، يتوقع أن تتبنى القيادتان سياسة ترومان: احتواء الأزمة دون تصعيد شامل.

الخلاصة: التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه ينبه

إقالة ماكارثر علمت العالم أن السيطرة المدنية على القرار العسكري ضرورة لبقاء البشرية. اليوم، وبينما تدار الحرب التجارية بأدوات أكثر تعقيداً، يحتاج الطرفان إلى استعادة روح "الحدود الحمراء" التي وضعها ترومان:

  • تجنب الإهانات العلنية (مثل خطابات ماكارثر الاستفزازية).
  • القنوات الدبلوماسية السرية: كما فعل كيسنجر مع الصين في السبعينيات.
  • الاعتراف المتبادل بالمصالح الحيوية: لا يمكن لواشنطن تجاهل أن الصين باتت شريكاً لا غنى عنه في قضايا مثل المناخ والأوبئة.

الدرس الأهم هو أن الحرب ليست لعبة صفرية... ففي 1953، انتهت الحرب الكورية بلا منتصر، واليوم، لن يكون هناك منتصر في حرب تجارية أو عسكرية بين العملاقين.

المصادر:

  1. إقالة دوجلاس ماكارثر - ويكيبيديا
  2. الرئيس ترومان يقيل الجنرال ماكارثر من واجباته في كوريا - HISTORY.com
  3. SIPRI 2023 - الترسانة النووية الصينية

للاستماع للبودكاست اضغط هــنــا 


Share/Bookmark

الصين النووية | الحرب التجارية | أمريكا والصين | ماكارثر وترومان | التصعيد العسكري

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

طفرة غير مسبوقة في أسعار الكتاكيت المصرية: من يربح ومن يخسر في أبريل 2025؟

مصر ترفع أسعار الوقود لأول مرة في 2025: زيادة تصل إلى 33% وتوقعات بموجة غلاء جديدة

هل تدفع الدول النامية ثمن صراع الكبار؟ الأمم المتحدة تحذر: خسائر تتجاوز 3 مليارات بسبب رسوم ترامب والصين