خريطة الديون العربية: السودان ولبنان على حافة الانهيار والكويت والخليج في موضع آمن

مقدمة: الدين العام.. بين أداة التمويل وعبء الانهيار
في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، وتقلب أسعار الطاقة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، تتحول الديون العامة من أداة تمويل ضرورية إلى عبء مهدد للاستقرار المالي والاجتماعي في العديد من الدول العربية. فبينما تسعى بعض الحكومات لاحتواء العجز عبر الاقتراض، تواجه أخرى ضغوطاً متصاعدة بسبب ارتفاع تكاليف خدمة الدين، وضعف الإيرادات، وتقلص فرص التمويل الخارجي بشروط ميسرة .
تشير أحدث بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن المنطقة العربية منقسمة إلى فريقين: دول تمتلك هوامش أمان مالية واسعة، وأخرى تقف على حافة الخطر المالي، حيث تجاوز إجمالي الديون الحكومية العربية 1.5 تريليون دولار في 2024، مع تباين هائل في نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي .
خريطة الديون العربية: تفاوت صارخ
1. الدول الأعلى ديوناً: على حافة الهاوية
-
السودان (نسبة الدين إلى الناتج: 271.98%):
يحتل الصدارة العربية والعالمية في المديونية، حيث بلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 271.98% في 2024. يعود هذا التراكم الكارثي للديون إلى عقود من الإفراط في الاستدانة وسوء الإدارة، إضافة إلى العقوبات الدولية التي حدت من قدرته على الوصول للتمويل الدولي. وكان لانفصال جنوب السودان عام 2011 أثر مدمر، حيث خسر السودان 75% من إنتاجه النفطي و66% من صادراته النفطية ونصف إيراداته الحكومية. كما أدت الاضطرابات السياسية والأهلية المستمرة إلى تقويض المناخ الاقتصادي بشكل كامل . -
لبنان (164.13%):
يحتل المرتبة الثانية بنسبة 164.13%، حيث تحولت أزمة البلاد إلى كارثة اقتصادية شاملة. بدأت المشكلة مع اعتماد الحكومات المتعاقبة على الاقتراض المكثف لتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية. ثم تفجرت الأزمة في نهاية 2019 مع انهيار العملة وارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوق، وتخلف الدولة عن سداد سندات اليوروبوند في مارس 2020، وزادت الكارثة مع جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت المدمر. وما يزال لبنان متوقفاً عن سداد التزاماته بانتظار إعادة الهيكلة . -
البحرين (134% متوقع ارتفاعها إلى 141.4% في 2025):
تأتي في المركز الثالث بين الدول العربية، حيث تعاني أصغر اقتصاد خليجي من ضغوط مالية حادة نتيجة انخفاض أسعار النفط في 2014 وجائحة كورونا. رغم حصولها على حزمة إنقاذ بقيمة 10 مليارات دولار من جيرانها الخليجيين عام 2018، دفعت وكالات التصنيف العالمية ("فيتش" و"إس آند بي") إلى خفض النظرة المستقبلية للبحرين من مستقرة إلى سلبية . -
الأردن (95.9%) ومصر (90.93%):
يعاني الأردن من تراكم الديون بعد سلسلة من الصدمات الإقليمية بدءاً من حرب العراق ومروراً بأزمة اللاجئين السوريين ووصولاً إلى حرب غزة، كل ذلك في ظل شح الموارد وارتفاع فاتورة الطاقة. أما مصر - أكبر دولة عربية سكاناً - فتعاني من استنزاف الاحتياطي الأجنبي بعد ثورتي 2011 و2013، والعجز المستمر في الموازنة، وارتفاع تكاليف خدمة الدين، إضافة إلى تأثيرات حرب غزة على إيرادات قناة السويس .
جدول: الدول العربية الأعلى ديوناً (نسبة الدين إلى الناتج المحلي 2024)
الترتيب | الدولة | نسبة الدين إلى الناتج | التوجه المستقبلي |
---|---|---|---|
1 | السودان | 271.98% | انخفاض متوقع |
2 | لبنان | 164.13% | غير مستقر |
3 | البحرين | 134% | ارتفاع متوقع |
4 | الأردن | 95.9% | انخفاض طفيف |
5 | مصر | 90.93% | انخفاض متوقع |
6 | تونس | 83.1% | غير مستقر |
7 | اليمن | 70.94% | غير معروف |
8 | المغرب | 70.03% | مستقر نسبياً |
2. الدول الأقل ديوناً: هوامش أمان واسعة
-
الكويت (3.04%):
تحتل المركز الأول عربياً من حيث انخفاض المديونية، حيث تبلغ نسبة الدين إلى الناتج 3.04% فقط. وتعتمد على السحب من صندوق الاحتياطي العام لتمويل العجز، رغم تحضيرها لجمع 6 مليارات دولار عبر طرح سندات دولية بعد إقرار قانون الديون الجديد الذي يسمع بحد أقصى للاقتراض يصل إلى 98 مليار دولار على مدى 50 عاماً . -
السعودية (29.9%):
رغم لجوئها للاقتراض الخارجي لأول مرة في 2016 لتمويل رؤية 2030، حافظت على نسبة دين منخفضة بفضل الإيرادات النفطية (60.1% من إيرادات 2024) وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص وترشيد الإنفاق. وقد أشاد صندوق النقد الدولي بسياسات المملكة المالية ودورها في الحفاظ على مستوى ديون منخفض . -
الإمارات (32.1%):
تحافظ على موقف مالي قوي بفضل تحولها لمركز عالمي للتجارة والاستثمار، حيث سجلت فائضاً في الميزانية بنسبة 7.1% من الناتج عام 2024، إضافة إلى صافي أصول أجنبية بلغ 157% من الناتج. كل هذه العوامل ساهمت في حصولها على تصنيف ائتماني مرتفع (AA-) من وكالة فيتش .
جدول: الدول العربية الأقل ديوناً (نسبة الدين إلى الناتج المحلي 2024)
الترتيب | الدولة | نسبة الدين إلى الناتج | نصيب الفرد من الدين (ألف دولار) |
---|---|---|---|
1 | الكويت | 3.04% | 3.0 |
2 | السعودية | 29.9% | 3.0 |
3 | الإمارات | 32.1% | 21.0 |
4 | العراق | 42.9% | غير متوفر |
5 | الجزائر | 46.02% | غير متوفر |
6 | عُمان | غير متوفر | 1.1 |
تأثير الديون على الاقتصاد: بين النمو والأزمة
أوجه الإنفاق تحدد الأثر الاقتصادي
تشير دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي إلى أن أثر الدين العام على النمو الاقتصادي يعتمد على عدة عوامل:
- الدول منخفضة الدخل قد تستفيد من زيادة الدين إذا استخدم في استثمارات منتجة
- خفض مستويات الديون الأولية يعزز قدرة الدول على الاستفادة من قروض إضافية
- أوجه إنفاق الدين هي العامل الحاسم: فالاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة يؤدي لتحفيز النمو، بينما تمويل النفقات الجارية يزيد الأعباء دون عوائد تنموية .
كلفة باهظة للدول النامية
تواجه الدول العربية منخفضة الدخل تحديات جسيمة في إدارة الديون:
- تكاليف خدمة الدين المرتفعة التي تستنزف الموارد (وصلت خدمة الدين العالمي للدول النامية 365 مليار دولار عام 2022)
- ارتفاع تكاليف الاقتراض حيث تدفع الدول النامية معدلات فائدة أعلى 2-4 مرات من الولايات المتحدة
- تحويل الموارد من القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم لصالح سداد الديون .
دور المؤسسات المالية: بين الدعم والشروط
تدخلات صندوق النقد الدولي
- قدم حزم إنقاذ للعديد من الدول العربية: مصر (12 مليار دولار 2016، ثم 8 مليارات 2024)، الأردن (2.05 مليار دولار)، المغرب (6.2 مليارات دولار)
- ربط المساعدات بتنفيذ إصلاحات اقتصادية وهيكلية صعبة
- أشاد مؤخراً بسياسات دول الخليج واعتبر المنطقة "نقطة مضيئة" في الاقتصاد العالمي نتيجة الإصلاحات الصعبة التي نفذتها .
برامج البنك الدولي
- ركزت على الحماية الاجتماعية والاستثمار في البشر: مصر (500 مليون دولار لتوسيع برنامج تكافل وكرامة)، اليمن (150 مليوناً للمشروع الطارئ لرأس المال البشري)
- دعم التحول الرقمي: المغرب (450 مليون دولار لتعزيز الشمول المالي وريادة الأعمال الرقمية) .
مستقبل الديون العربية: أزمات في الأفق؟
دول على حافة الهاوية
- السودان: يعيش أزمة مركبة (اقتصادية، سياسية، عسكرية) أفقدته القدرة على السداد
- لبنان: دخل فعلياً في أزمة ديون سيادية منذ 2020 ولم يخرج منها
- جيبوتي: تواجه خطراً متصاعداً للوقوع في أزمة ديون (نسبة الدين 65% من الناتج) مع اعتماد كبير على القروض الصينية
مخاطر متوسطة
- مصر: رغم تحسن نسبي، لا تزال تكاليف خدمة الدين تشكل ضغطاً هائلاً على الموازنة
- تونس: تواجه ضغوطاً تمويلية متصاعدة في ظل صعوبة التوصل لاتفاق مع صندوق النقد
دول ذات مرونة عالية
- دول الخليج: تحافظ على هوامش أمان مالي واسعة بفضل الاحتياطيات الضخمة والتصنيفات الائتمانية العالية
- المغرب: يحافظ على استقرار مالي نسبي رغم ارتفاع نسبة الدين (70.03%)
خاتمة: مفترق طرق
تظهر خريطة الديون العربية صورة شديدة التباين والتقطيع، حيث تقف بعض الدول على حافة الانهيار المالي (السودان، لبنان)، بينما تحافظ أخرى على مرونة مالية عالية (الكويت، السعودية، الإمارات). التحدي الأكبر يكمن في كلفة خدمة الدين التي تستنزف الموارد المخصصة للتنمية والخدمات الاجتماعية في الدول الأكثر فقراً.
مستقبل المنطقة مرهون بقدرة الحكومات على تحويل الديون من عبء إلى استثمار في مشاريع منتجة تولد النمو وتخلق الوظائف، وإلا فإن دوامة المديونية قد تدفع بمزيد من الاقتصادات العربية إلى دائرة الخطر المالي في السنوات القادمة.
المصادر:
- خريطة الديون العربية.. أي الدول تتحمل العبء الأكبر والأقل؟ - الشرق
- 10 دول الأعلى ديونا في العالم والمنطقة العربية - الجزيرة
- خريطة توضح العبء المالي على المواطنين من ديون بلادهم - أرقام
الوسوم
الدين العام | نسبة الدين | الدول العربية | صندوق النقد الدولي | الأزمة المالية
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار