الدولار الأمريكي يشهد أسوأ هبوط نصف سنوي منذ 50 عامًا: تحولات جيوسياسية وأسواق عالمية في مفترق طرق
مشهد تاريخي يهز عرش العملة الخضراء
في انعكاس مثير يُعيد للأذهان زلزال "بريتون وودز" عام 1973، سجل الدولار الأمريكي تراجعًا صادمًا بنسبة 11% خلال النصف الأول من 2025، ليحقق أسوأ أداء نصف سنوي منذ خمسة عقود. هذا الهبوط غير المسبوق – الذي تجاوز كل التوقعات – يضع العملة التي هيمنت على النظام المالي العالمي أمام اختبار وجودي، وسط تحذيرات من "صفحة جديدة" في تاريخ الاقتصاد الدولي
الأبعاد الثلاثة للأزمة: تشريح العاصفة المالية
1. سياسات الفائدة: سلاح ذو حدين يفقد بريقه
مع تباطؤ مؤشرات التضخم وسوق العمل الأمريكي، يترقب المستثمرون globally خفضًا وشيكًا لأسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي (مُتوقع في سبتمبر 2025). هذا التحرك – رغم دعمه للنمو المحلي – يقلل جاذبية الأصول الأمريكية مقارنة بعوائد السندات الأوروبية والآسيوية المرتفعة، مما يُسرّع هروب رؤوس الأموال. اللافت أن إدارة ترامب لم تُخفِ تفضيلها لسياسة "دولار ضعيف" لتعزيز الصادرات، وهو ما أكده استراتيجيو "مورغان ستانلي":
"ضعف الدولار يمثل دافعًا غير مقدر لأرباح الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات".
2. التحوّط الأجنبي: من الأمان إلى الاستنزاف
بعد الأزمة المالية 2008، كانت الأسواق الأمريكية ملاذ المستثمرين العالميين، لكنَّ المعادلة انقلبت اليوم. البيانات تُظهر:
- ارتفاع حاد في تحوّط المؤسسات من التعرض المفرط للدولار.
- توجّه الأموال نحو أسواق ناشئة حققت عوائد أعلى، مثل المغرب حيث قفز مؤشر "مازي" 23.9% واقتربت بورصة الدار البيضاء من قيمة سوقية لتريليون درهم (107 مليار دولار) .
يقول خبير مالي في "وول ستريت":
"تحوّط المستثمرين الأجانب سيصبح عملية استنزاف مستمرة للدولار"
3. الصراع الجيوسياسي: نظام نقدي عالمي على محك إعادة التشكيل
يُشير الدكتور هاني الشامي (عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل) إلى أن تراجع الدولار يعكس اضطرابًا مزدوجًا في السياسات الأمريكية والعالمية. العوامل المُسرعة:
- تزايد الدعوات لتنويع الاحتياطيات باليورو أو اليوان أو الذهب.
- صعود تكتلات نقدية إقليمية (مثل تحركات مصر المدعومة من صندوق النقد الدولي لتعزيز مرونة سعر الصرف) .
"البنوك المركزية ستعيد التفكير في اعتمادها على الدولار كعملة احتياطية وحيدة".
المفارقة التاريخية: لماذا لا يزال الدولار "سيد العملات"؟
رغم العاصفة، تحتفظ العملة الأمريكية بمزايا فريدة تعيق انهيارها:
- السيولة غير المسبوقة: سوق السندات الأمريكية (28 تريليون دولار) تتفوّق بعمقها على أوروبا والصين معًا.
- الشبكة المالية العالمية: 88% من المعاملات التجارية الدولية تُسوّق بالدولار.
- فجوة الثقة: عدم وجود بديل نظامي يوازي استقرار المؤسسات الأمريكية (رغم التحديات).
"التنويع نحو عملات أخرى سيظل نسبيًا... الدولرة عصية على الزوال قصيرًا"
سيناريوهات المستقبل: الطريق إلى 2026
◼ السيناريو التفاؤلي (استعادة الهيمنة)
يتطلب:
- تغيير سياسات الاحتياطي الفيدرالي (تأجيل خفض الفائدة).
- مبادرات أمريكية لتعزيز ثقة المستثمرين الأجانب.
- تراجع التوترات التجارية العالمية.
◼ السيناريو التشاؤمي (نظام متعدد الأقطاب)
مؤشراته:
- تسارع تحوّل البنوك المركزية لاحتياطيات باليوان واليورو.
- تعمّق سياسة "الدولار الضعيف" كخيار دائم لإدارة الديون الأمريكية.
- صعود عملات رقمية سيادية (مثل اليوان الرقمي) كمنافس.
"هذا الهبوط جرس إنذار لواشنطن لإعادة هندسة سياساتها... أو المخاطرة بفقدان القلب النابض للنظام المالي" – د. هاني الشامي
خريطة التحولات الجيوسياسية: الفائزون والخاسرون
| المنطقة | التأثير | الدلائل |
|---|---|---|
| أوروبا | صعود اليورو كمنافس | زيادة حصته في الاحتياطيات |
| الصين | تعزيز نفوذ اليوان | اتفاقيات تبادل عملات ثنائية |
| الخليج | ضغط على اقتصادات النفط | تراجع عوائد النفط بالدولار |
| إفريقيا | فرص للأسواق الصاعدة | نمو بورصة الدار البيضاء 24% |
خلاصة: هل نشهد نهاية عصر الهيمنة؟
الهبوط الحاد للدولار ليس مجرد تقلّب سوقي، بل هو عَرَض لتحولات تكنونية في النظام المالي:
- جيوسياسيًا: تآكل الأحادية القطبية الأمريكية.
- اقتصاديًا: بحث العالم عن "مناعة نقدية" عبر التنويع.
- استراتيجيًا: حاجة واشنطن لمراجعة سياساتها قبل فوات الأوان.
رغم أن الدولار سيظل العملة الأولى عالميًا لسنوات، فإن هامش هيمنته لن يكون كما كان... والعالم يُعدّ العدة لعصر التعددية النقدية.
"منذ 1973 لم يشهد العالم زلزالًا بهذا الحجم... التاريخ لا يعيد نفسه لكنه يُناغم ألحانه".
مصادر مباشرة:
- بورصة المغرب تحقق أفضل أداء في 19 سنة (تفاصيل القفزة التاريخية)
- الدولار في مهب الريح والجنيه المصري يحلق.. نصف قرن من الانتظار يكتب أسوأ فصول العملة الأمريكية
- تقييم أخبار ميتر لتصريحات صندوق النقد حول مصر
الوسوم
الدولار الأمريكي | أسعار الفائدة | الاحتياطي الفيدرالي | الأسواق الناشئة | اليوان الصيني
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار