العلاقات المصرية الإسرائيلية بين التهديدات والوساطة: أي مستقبل ينتظر السلام البارد؟
في مشهد يجسد حالة الترقب والخطر التي تعيشها المنطقة، وجّهت مصر تحذيراً واضحاً لإسرائيل عبر وساطة أمريكية: "أي محاولات إسرائيلية للعمل على الأراضي المصرية مثل الغارات التي استهدفت الدوحة ستكون لها عواقب وخيمة". هذا التصعيد لم يأت من فراغ، بل يمثل ذروة تصاعد توتر متزايد في العلاقات بين البلدين منذ أشهر، في اختبار صعب لاتفاقية السلام التي عمرها أكثر من أربعة عقود. فما بين التهديدات الإسرائيلية والردود المصرية الحازمة، تظل الوساطة مستمرة كخيط رفيع يمنع انهيار التوازن الإقليمي الهش.
وفقاً لخبراء تحدثوا لـ"الشرق الأوسط"، فإن نتنياهو "لا يجرؤ على استهداف مصر لامتلاكها من الردع الكافي للرد بقسوة".
خلفية تاريخية: من السلام البارد إلى التهديد الكامن
مرت العلاقات المصرية الإسرائيلية بتحولات جذرية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، والتي وصفت بأنها أسست لمرحلة "السلام البارد" – وهو نموذج يجمع بين التعاون الأمني والاقتصادي الرسمي مع غياب التقبل الشعبي للعلاقة. استمر هذا النموذج لعقود، لكن الحرب الإبادية على غزة أعادت تعريف هذه العلاقة، حيث انتقلت من حالة "السلام البارد" إلى ما وصفته التقارير الإسرائيلية بـ"التهديد الكامن".
تطور العلاقات المصرية الإسرائيلية في نقاط
| العام | التطور | الدلالة |
|---|---|---|
| 1978 | توقيع اتفاقية كامب ديفيد | أول اتفاق سلام بين دولة عربية وإسرائيل |
| 1982 | اكتمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء | ترسيم الحدود وتفكيك المستوطنات |
| 2011 | إدخال قوات مصرية إضافية إلى سيناء | تغير الوضع الأمني بعد ثورة 25 يناير |
| 2017 | لقاء السيسي ونتنياهو في نيويورك | أول لقاء علني بين زعيمين على هامش الأمم المتحدة |
| 2023 | التصعيد خلال الحرب على غزة | انتقال من السلام البارد إلى التهديد الكامن |
| 2024 | احتلال الجانب الفلسطيني من رفح | اختراق لاتفاقية السلام وتصعيد غير مسبوق |
| 2025 | التهديدات المتبادلة بعد ضرب الدوحة | ذروة التصعيد منذ اتفاقية السلام |
محطات التوتر الرئيسية: ما الذي أوصل العلاقات إلى هذا المنعطف الخطير؟
1. الهجوم على الدوحة وتداعياته الإقليمية
شكل الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في سبتمبر 2025 منعطفاً حاداً في الأزمة، حيث استهدف اجتماعاً لقيادات فلسطينية كانوا يناقشون مقترحاً أمريكياً لوقف إطلاق النار. أسفر الهجوم عن مقتل 5 من أعضاء حركة "حماس" بينهم همام نجل خليل الحية، بالإضافة إلى أحد أفراد الأمن القطري. لم يكن هذا الهجوم انتهاكاً لسيادة قطر فحسب، بل اعتبره المراقبون اختباراً للردود العربية، ومحاولة إسرائيلية لفرض معادلة جديدة تسمح بضرب أهداف في أي دولة بالمنطقة.
2. معبر رفح ومحور فيلادلفيا
يشكل الاحتلال الإسرائيلي للجانب الفلسطيني من معبر رفح منذ صيف 2024 أحد أهم نقاط التوتر بين البلدين. هذا الاحتلال لم يكن مجرد تغير ميداني، بل مثّل انتهاكاً صريحاً لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية لحدود البلدين. كما أن السيطرة على محور فيلادلفيا (الشريط الحدودي بين غزة ومصر) شكل مصدر قلق لمصر التي ترى فيه تهديداً لأمنها القومي.
3. أزمة الغاز والتهديدات الاقتصادية
جاء تهديد نتنياهو بقطع الغاز عن مصر في سبتمبر 2025 ليفجر أزمة جديدة، في وقت تعتمد مصر بشكل متزايد على الغاز الإسرائيلي. لكن الرد المصري كان حازماً من خلال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان الذي قال لنتنياهو: "لن يستطيع ذلك وأنه الخاسر"، متحدياً إياه أن "يفتح المعابر لعودة الفلسطينيين".
الوساطة المصرية: بين واجب التضامن وضرورة الحوار
على الرغم من حدة التوتر، تؤكد مصر على استمرار وساطتها لوقف الحرب في غزة. يرى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان أن "الوساطة والتفاوض واجب لن تتخلى عنه مصر وقطر؛ خدمة للقضية الفلسطينية". هذا الموقف يعكس إدراكاً مصرياً لأهمية الدور الإقليمي للقاهرة، خاصة بعد أن أصبحت "الدولة الوحيدة القادرة على استئناف المحادثات" بعد الهجوم على قطر، في ظل الموقف الأمريكي "الضبابي" بشأن الضربة الإسرائيلية على الدوحة.
لماذا تستمر الوساطة المصرية رغم التوتر؟
- الوزن الإقليمي لمصر: تمتلك مصر أدوات تأثير فريدة على مختلف الأطراف، وتاريخاً طويلاً في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
- المصلحة القومية المصرية: إنهاء الحرب في غزة يحفظ الأمن القومي المصري من تداعيات التصعيد وتدهور الوضع الإنساني.
- الفراغ الدبلوماسي الإقليمي: مع تردد الموقف الأمريكي وتأثير الضربة على قطر، تبرز مصر كطرف لا غنى عنه في أي عملية تفاوض.
- الضغوط الدولية: تتجه الأنظار للوسيط المصري كـ"عامل حسم" في إنهاء الأزمة بعد الهجوم الذي لم تُدنه واشنطن بشكل واضح.
السيناريوهات المستقبلية: أين تتجه العلاقات؟
- سيناريو التصعيد المحدود: استمرار التوتر عند مستوياته الحالية مع تبادل التهديدات والاستفزازات، لكن دون تجاوز الخط الأحمر الموصل للمواجهة العسكرية المباشرة.
- سيناريو إدارة الأزمة: عودة الأطراف إلى سياسة "السلام البارد" مع الحفاظ على قنوات اتصال خلفية لإدارة الخلافات دون حلها.
- سيناريو الاختراق الدبلوماسي: تدخل أطراف دولية فاعلة لاحتواء الأزمة وإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات مع تقديم تنازلات متبادلة.
يرجح كثير من الخبراء السيناريو الأول في المدى القريب، فإسرائيل تعتبر أن الاتفاقية "لم تعد تحكم التواجد العسكري المصري في سيناء" بشكل كامل، بينما ترفض مصر التخلي عن حقها في حماية حدودها وأمنها القومي. مع ذلك، يبقى السيناريو الثالث ممكناً في حال تغيرت المعادلات الإقليمية وظهرت إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف الدولية لإنهاء الأزمة.
الخاتمة
العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بمرحلة هي الأكثر خطورة منذ توقيع معاهدة السلام قبل 47 عاماً. التصعيد الحالي لم يعد يحتمل المجاملة الدبلوماسية أو التلميحات غير المباشرة، بل وصل إلى تبادل التهديدات العلنية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقة بين البلدين. ومع ذلك، تظل الوساطة المصرية هي الجسر الذي يمكن أن تعبر عليه الأطراف من حالة الحرب الباردة إلى بر التفاهم، ولو المؤقت.
مستقبل هذه العلاقة لن يتحدد فقط بإرادة البلدين، بل بتوازنات القوى الإقليمية والدولية، وقدرة الفلسطينيين على توحيد صفوفهم، وإرادة المجتمع الدولي في إنهاء الصراع الذي تجاوز كل الحدود الزمنية والإنسانية. السؤال الذي يظل معلقاً: هل تكفي الوساطة المصرية لوقف الانزلاق نحو الهاوية، أم أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من المواجهات التي طالما حذر منها العقلاء؟
المصادر
الوسوم
العلاقات المصرية الإسرائيلية | الوساطة المصرية | تصعيد نتنياهو | معبر رفح | أزمة غزة

تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقك إذا كان لديك أى إستفسار