مستقبل إسرائيل: بين انهيار الرواية وفائض القوة

--

تحليل شامل لسيناريوهات التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط

مستقبل إسرائيل: بين انهيار الرواية وفائض القوة

مقدمة: نقطة تحول تاريخية

تمر المنطقة العربية وإسرائيل بمرحلة تحولية حاسمة قد تعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط بشكل جذري. فبعد عقود من بناء الصورة المتحضرة لإسرائيل كدولة ديمقراطية محاطة بأعداء، تواجه اليوم أزمة شرعية أخلاقية حادة تنذر بتداعيات بعيدة المدى.

القرار الأممي: إعلان رسمي بوقوع الإبادة

في 1 سبتمبر 2025، أصدرت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية قرارًا تاريخيًا بأغلبية ساحقة بلغت 86% من أصل 500 عضو. القرار نص على أن "سياسات إسرائيل وأفعالها في غزة، تفي بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)".

وقد استند القرار إلى الإحصائيات المأساوية للحرب الدائرة، حيث قتلت إسرائيل أكثر من 63,500 شخص وجرحت أكثر من 160,000 في حربها على غزة. كما أشارت الرابطة إلى أن إسرائيل "هجرت بالقوة ما يقرب من 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة عدة مرات" ونقلت تقديرات بأن أكثر من 90% من البنية التحتية للإسكان في الإقليم قد دُمرت.

انهيار رواية الضحية: سقوط الشرعية الأخلاقية

المفارقة التاريخية

تكمن المفارقة الصارخة في أن اتفاقية منع الإبادة الجماعية، التي وُضعت أصلاً استجابة للهولوكوست الذي تعرض له اليهود في أوروبا، تُستخدم اليوم لإدانة إسرائيل بارتكاب جرائم مماثلة. هذا التطور يُسقط الحجة الأساسية التي بُنيت عليها شرعية إسرائيل الأخلاقية منذ تأسيسها.

تحول الرأي العام العالمي

لعقود طويلة، نجحت الآلة الإعلامية الإسرائيلية في تصوير الدولة كواحة ديمقراطية متحضرة وسط محيط من "الإرهاب والتطرف". لكن هذه الصورة تداعت بسرعة مذهلة أمام المشاهد المروعة من غزة، التي كشفت الوجه الحقيقي للمشروع الاستعماري الإسرائيلي.

تأثيرات على الجيل الجديد

تُظهر الاستطلاعات تحولاً جذرياً في الرأي العام، خاصة بين الشباب الغربي. ففي آخر استطلاع أجرته جامعة هارفارد ومؤسسة هاريس في أغسطس 2025، تبين أن 60% من الشباب الأمريكي (18-24 سنة) يفضلون حماس على إسرائيل، ما يعكس انقلاباً جوهرياً في التصورات.

فقدان الحرب لشرعيتها الداخلية والخارجية

الجبهة الداخلية الإسرائيلية

تشهد الجبهة الداخلية الإسرائيلية تآكلاً مطرداً في الدعم للحرب. استطلاع موقع "واللا" العبري في 26 أغسطس 2025 كشف أن:

  • 73% من الإسرائيليين يؤيدون وقف الحرب
  • 75% من الجنود والضباط يؤيدون وقف الحرب
  • 40% من الجنود والضباط فقدوا حافزية القتال

هذه الأرقام تعكس أزمة عميقة في التماسك الاجتماعي والعسكري، خاصة مع تزايد الخسائر البشرية (900 جندي وضابط قتيل) والاقتصادية.

الضغوط الدولية المتزايدة

على الصعيد الدولي، تواجه إسرائيل عزلة متنامية. التصويت الأخير في مجلس الأمن نهاية أغسطس 2025 شهد موافقة 14 دولة على وقف الحرب، مقابل رفض الولايات المتحدة منفردة، ما يعكس حجم الضغوط الدولية.

مشروع "إسرائيل الكبرى": الحلم والكابوس

التصريحات الخطيرة

في أحد أخطر التطورات، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أغسطس 2025 بأنه "في مهمة الأجيال - هناك أجيال من اليهود حلموا بالمجيء إلى هنا وأجيال من اليهود الذين سيأتون بعدنا". وأضاف: "إذا كنت تسأل ما إذا كان لدي شعور بالمهمة، تاريخياً وروحياً، فالجواب نعم".

هذه التصريحات تكشف عن رؤية توسعية خطيرة تتجاوز فلسطين لتشمل أجزاء من دول الجوار. نتنياهو يؤيد بقوة رؤية "إسرائيل الكبرى" التي تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر.

تصريحات المسؤولين المتطرفين

تتماشى تصريحات نتنياهو مع مواقف المسؤولين المتطرفين في حكومته:

  • وزير المالية بتسلئيل سموتريتش: "حدود القدس تنتهي في دمشق"
  • وزير الاتصالات شلومو كرعي (22 أغسطس 2025): "هناك ضفتان لنهر الأردن، هذه لنا وتلك أيضاً"

الدعم الأمريكي: المحرك الخفي للتوسع

الأيديولوجية اللاهوتية

يحظى المشروع التوسعي الإسرائيلي بدعم قوي من شخصيات نافذة في الإدارة الأمريكية. رئيس مجلس النواب مايك جونسون، خلال زيارته للضفة الغربية في أغسطس 2025، صرح بأن "يهودا والسامرة (الضفة الغربية) حق شرعي للشعب اليهودي، وهي تنتمي إليهم بحكم الكتاب المقدس".

المصالح الاستراتيجية

الدعم الأمريكي لا يقتصر على الجوانب الأيديولوجية، بل يمتد للاعتبارات الاستراتيجية:

  1. استخدام إسرائيل كحاملة طائرات أمريكية في المنطقة
  2. السيطرة على الجغرافيا السياسية والموارد
  3. التفرغ للمواجهة مع الصين وروسيا

سيناريو الانهيار: التحديات المستقبلية

التناقضات الجوهرية

رغم القوة العسكرية الظاهرة، تواجه إسرائيل تناقضات جوهرية تهدد مستقبلها:

التناقض الديموغرافي: إسرائيل بـ 7 ملايين نسمة تسعى للسيطرة على مئات الملايين من العرب في المنطقة.

التناقض الاقتصادي: سنتان من الحرب استنزفت الاقتصاد الإسرائيلي بشدة، والتوسع سيضاعف من هذا الاستنزاف.

التناقض الاجتماعي: المجتمع الإسرائيلي منقسم ومتعب، و40% من جنوده فقدوا حافزية القتال.

المقاومة المتوقعة

أي محاولة توسع إسرائيلية ستواجه مقاومة شرسة من:

  • الشعوب العربية التي رفضت المشروع الصهيوني لعقود
  • القوى الإقليمية كإيران وحلفائها
  • المجتمع الدولي الذي بدأ يرفض السياسات الإسرائيلية

الحدود الجغرافية للقوة

التاريخ يُعلمنا أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لضمان الاستمرار. الإمبراطوريات الاستعمارية سقطت رغم قوتها العسكرية، لأنها لم تحظَ بالقبول الشعبي أو الشرعية الأخلاقية.

الخلاصة: بين الحلم والواقع

المشروع التوسعي الإسرائيلي، رغم الدعم الأمريكي والقوة العسكرية، يحمل في طياته بذور انهياره. فالأحلام اللاهوتية تصطدم بالواقع الجيوسياسي المعقد والرفض الشعبي الواسع.

إسرائيل تقف اليوم على مفترق طرق: إما التراجع عن مشروعها التوسعي والبحث عن حل سلمي عادل، أو المضي قدماً في مغامرة قد تؤدي إلى انهيارها. التاريخ سيحكم على الخيار الذي ستتخذه، لكن المؤشرات الحالية تنذر بعاصفة قادمة قد تعيد تشكيل المنطقة برمتها.

المصادر المرجعية:

  1. PBS NewsHour - منظمة علماء الإبادة الجماعية الرائدة تقول إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة

  2. The Times of Israel - نتنياهو يقول إنه في "مهمة تاريخية وروحية" ويشعر أيضاً بارتباط برؤية إسرائيل الكبرى

  3. Middle East Monitor - نتنياهو يقول إنه في مهمة تاريخية من أجل إسرائيل الكبرى

الوسوم

إسرائيل | الإبادة الجماعية في غزة | نتنياهو | إسرائيل الكبرى | الصراع العربي الإسرائيلي

النشرة البريدية

تعليقات

الموضوعات الأكثر قراءة في" علىّْ الدين الإخباري"

من الذهب إلى النفط.. 10 دول أفريقية تجهز القارة لقيادة الاقتصاد العالمي في 2025

تريليون دولار فائض تجاري.. الصين تعيد توجيه بوصلة الصادرات وتتحدى الضغوط الأميركية

الكونجرس الأمريكي يتحرك لكبح جماح ترامب.. هل تتحول فنزويلا إلى ساحة حرب جديدة؟